الخبير يكتب: ما سر إصرار اردوغان على التنقيب عن الغاز في المتوسط .. تعرف على أصل الحكاية؟
البداية كانت بإعلان تركيا تمسكها بحقها في التنقيب عن الغاز الطبيعي في شرق المتوسط برغم إنه ليس من حقها قانونياً وبخاصة بعد إتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان وقبرص، أعقبها خطاب تحذير مصري شديد اللهجة لتركيا حول نيتها في التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط ... والقارئ يتساءل ما سر حكاية هذا الموضوع؟
أخبار مُتعلقة
في البداية هذا الموضوع يرجع تاريخاً منذ عام 1878، كانت الدولة العثمانية في حرب مع روسيا "الحرب الروسية العثمانية Russo-Turkish War".
واستمرت هذه الحرب إلي أقل من سنة، تجرعت فيها الدولة العثمانية هزيمة كبري جداً، وساء الوضع أكتر بعد دخول الدولة العثمانية هذه الحرب وقد أعلنت إفلاسها رسميًا، ودخلت في مجاعة منذ عام 1873 حتي عام 1874 وطالبوا دعم بريطانيا.
وبريطانيا لكي تمنحها الحماية؛ أخذت منها حق إدارة قبرص، حيث كانت مُحتلة من الدولة العثمانية، مع الاحتفاظ بسيادة الدولة العثمانية عليها، ويتم دفع لها مقابل سنوي.
ومن الطبيعي عند إحتلال الدولة العثمانية لقبرص، كان هناك "قبارصة أتراك" ولائهم للدولة العثمانية، وهناك أهل البلد الأصليين، وهؤلاء راغبين في الإنضمام إلي اليونان، وبريطانيا قامت وقتها بعمل «مجلس رئاسي» لهم جميعاً، وضعت فيه 6 بريطانييين مع 9 من أهل قبرص، و3 من القبارصة الأتراك، باعتبار أن القبارصة الأتراك أقلية.
وفي عام 1923 تم توقيع معاهدة لوزان، وتنازلت الدولة العثمانية عن قبرص لبريطانيا، وحاول أهل قبرص قيادة حملة في الخمسينات للإتحاد مع اليونان ولكن لم تنجح .
وفي1961، حصلت قبرص على الإستقلال من بريطانيا، ولكن بريطانيا تركت لها "هدية سوداء"، وهي التقسيم بشكل «شيطاني»، فجعلت كل المحليات الخاصة بأهل قبرص الأصليين، وبالقبارصة الأتراك مناطق منفصلة، ونائب الرئيس لابد وان يكون من القبارصة الأتراك، واشترطت للقبارصة الأتراك أن يكون لهم ثلث مقاعد البرلمان، وبذلك تكون وضعت «ألغام» في الدستور قبل أن ترحل .
وبعد تعيين رئيس من رجال الدين يدعي "الأب مكاريوس الثالث "Archbishop Makarios III"، في عام 1963 تقدم للبرلمان بطلب لتعديل الدستور كونه أعطى القبارصة الأتراك أكتر من حقوقهم .
وبعد هذا الطلب أدي لاندلاع ثورة للقبارصة الأتراك، واندلعت أعمال عنف وشغب أيدتها تركيا ومولتها، لدرجة إن الأمم المتحدة أرسلت إلي قبرص قوات حفظ السلام الدولية عام 1964، وتلك القوات مازالت موجودة في قبرص حتي الآن .
وفي عام 1974 حدث إنقلاب ضد الأب مكاريوس، وأهل قبرص حاولوا السيطرة على البلاد، وسط مقاومة من القبارصة الأتراك وأعمال شغب ومشاكل، وانتهزت تركيا الفرصة وقامت بغذو شمال قبرص عسكريًا، والقبارصة الأتراك فجأة أعلنوا استقلالهم وإن الشمال منطقة حكم ذاتي، وتم تعيين حكومة هناك لا أحد بالعالم معترف بها سوي تركيا فقط، لدرجة إنها تباشر مهام عملها مع باقي العالم عبر تركيا، ولذلك تركيا مُعتبرة نفسها حاكم شمال قبرص بالفعل .
حلم اردوغان يقترب لأن يصبح حقيقة مع وصول مرسي للحكم بمصر
فعبد وصول "مرسي" للحكم في مصر، هذه كانت قمة الفرحة لتركيا لإنجاح خطتها في السيطرة على ثروات المتوسط، وهذه خطة قد أعلنت عنها تركيا بنفسها منذ سنوات للهيمنة على سوق الطاقة في الشرق الأوسط .
وما يحدث بعد عزل الشعب المصري لـ "مرسي" بثورة شعبية فى 30 يونيو، هي سلسلة تحركات مصرية محسوبة بشكل دقيق جدًا، وبخاصة مع تأجج الأطماع التركية مع إكتشاف حقلي "ظهر" و "نور"، وهنا نحن نتحدث فيما يتجاوز 90 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، كان يمكن لتركيا أن تحصل عليها بإتفاقية بسيطة يوقعها أردوغان مع مرسي، ونحن كمواطنين مصريين وقتها لن نكون علي درايا ومعرفة بتلك الأمور .
حلم اردوغان بدأ يتبخر سريعاً
وعقب إنتهاء حقبة مرسي السوداء في تاريخ مصر، بدأت بالفعل مصر عمل تحالف مع قبرص واليونان وإيطاليا معًا، وقاموا بتأسيس "منتدى غاز شرق المتوسط EMGF"، وعضوية المنتدى مفتوحة لكل من يرغب في الإنضمام لها، وبالفعل الأردن انضمت له مؤخرًا .
وبمقتضى هذه المعاهدة، تم ترسيم الحدود البحرية بين الثلاثة دول "مصر، اليونان، قبرص"، وبناءٍ علية كل دولة تقوم باستخراج الغاز الطبيعي من مياهها الإقليمية و"المنطقة الإقتصادية الخالصة Exclusive economic zone".
والمنطقة الإقتصادية الخالصة، تختلف عن المياة الإقليمية فالأخيرة تعني "حق الدولة في منع سفن أي دولة أخري من الدخول في مياهها الإقليمية"، أما بالنسبة للمنطقة الإقتصادية فهي من حق جميع الدول أن تعبر بسفنها فيها، ولكن بشرط إنه لا يقترب لأي ثروات طبيعية فيها أسفل سطح البحر، وهي تمتد إلي مسافة 200 ميل بحري من بداية الخط الفاصل بين اليابسة «الأرض» وانخفاض المياة الداخلية للدول .
رسم توضيحي للفرق بين المياة الإقليمية والمياة الإقتصادية الخالصة للدول
وقد وجهت مصر إلي الأتحاد الأوروبي دعوة لحضور المنتدى وبالفعل حضر ممثلين بشكل رسمي عنه بالمنتدي والذين أعربوا عن سعادتهم بإنشائه، لأنه سوف يفتح سوق غاز جديد يحد من اعتمادهم التام على الغاز الروسي، وبالتالي هذه الاتفاقات معترف بيها ومودعة في الأمم المتحدة .
ومن هنا كانت نهاية الحلم التركي في غاز المتوسط
تركيا في حالة صدمة وغير مصدقة أن الحلم أصبح سراب بهذه السرعة والبساطة، بعد أن كان لديها الأمل، لهذا أرسلت رسالة على الخدمة الدولية للرسائل البحرية «نافتكس» عن عزمها على التنقيب عن الغاز في المنطقة الإقتصادية الخالصة لقبرص، بواسطة السفينة "الفاتح" وثلاث سفن مساندة لوجستية .
ومجازاً تركيا داخلة بطريقة «إللي بيسوق الهبل على الشيطنة» بنظام "ما هي حكومة قبرص الشمالية سمحت لي ودي المنطقة الإقتصادية الخالصة لها"، ولكنها تناست عن قصد إن هذه حكومة ليس لها وجود غير في العقل التركي فقط، فهي غير معترف بها دولياً سوي من دولة واحدة وهي تركيا!!.
سياسة اردوغان تقود تركيا للهلاك
وبالتالي عندما وجهت مصر تحذير شديد اللهجة للأتراك، كانت تقوم بحماية حقوق معاهدة وقعتها مع دولة صديقة، ومستندة علي قواعد القانون الدولي، واتفاقات معترف بها دولياً جميع دول العالم، ويمكن القول إن هذا الأمر لن يتصعد لحرب إلا في حالة فقدان أردوغان لعقله تمامًا، لأن تركيا سوف تخسرها على كل الأصعدة «عسكرياً قبل أن تكون سياسياً وقانونياً» .
إن سياسة تركيا العنيدة الغبية الاستعمارية قضت تماماً علي كل حلفائها باستثناء حليفين فقط هما «قطر وايران»، وهؤلاء الثلاثة من الجنون أن يفكروا محاربة كل دول العالم! .
وفي النهاية يمكن القول أيضاً إن سياسة تركيا جعلت منها دولة "ملطشة"، ترامب بيهدد بإدراج الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية، وهذا يعني أن تركيا ممكن في يوم وليلة أن يصنفها المجتمع الدولي كدولة بتأوي إرهابيين، ومنذ فترة قصفت سوريا قوات تركية، ولا أحد يعلم ماذا تخبئ أيضاً الأيام القادمة لتركيا؟، وما هو مصريها المجهول الذي سوف تواجه إن تملك الجنون اردوغان واتخذ خطوة فعلية في البدء بالتنقيب عن الغاز الطبيعي بشرق المتوسط؟ .