رؤية نقدية كريمان حرك: روميو وجولييت يرقصان على أنغام "بروكفيف" بالأوبرا والمايسترو نادر عباسى يتألق

الكاتبة كريمان حرك (أرشيفية)

---

إذا كان بالية "روميو وجولييت" الذي تقدمه فرقة أوبرا القاهرة هذه الأيام على المسرح الكبير من عيون التراث العالمي، فهو أيضاً أحد كنوز "ريبرتوار" هذه الفرقة والذي تم إنتاجه في تسعينيات القرن الماضي عندما كانت الفرقة في مرحلة تأسيس رصيدها الفني ووضع دعائمه من الأعمال الكلاسيكية.

"روميو وجولييت" يتم تقديمه بمصاحبة أوركسترا أوبرا القاهرة بقيادة المايسترو المتميز نادر عباسى، ويشارك فيه عدد كبير من نجوم الفرقة وأعضائها "كورت باليه" حيث أنه من أكثر الباليهات التي تتضمن رقصات جماعية كثيرة العدد.

عدسة صلاح سعيد

ويُعد من أهم الاعمال الناجحة التى قدمها الراحل دكتور عبد المنعم كامل مؤسس الفرقة وصانع معظم ريبرتوارها.
وحاليا تقدمه أرمينيا كامل المدير الفنى للفرقة.

وبالية "روميو وجولييت" تم صياغته عن مسرحية شكسبير الشهيرة التي كتبها عام 1597 وأستوحاها من مقطوعة شعرية لآرثر بروك عام 1562، ولآن المسرحية بها تراث درامي وتنوع في الأحداث كانت إلهاماً لعدد كبير من المؤلفين الموسيقيين أمثال "برليوز، وتشايكوفسكي"، ولكن معالجة "بروكفيف" والتي أستخدمت في هذا العرض تُعد من أكثر الإبداعات إنتشاراً وإستلهاماً لمصممي الباليه، حيث تصدي لها بالإبداع أكثر من مصمم منهم جاليوني ديزوتا ومزدريك آستون دكرانكو وماكميلان.

عدسة صلاح سعيد

"روميو وجولييت" أبدعه الموسيقار سيرجي بروكفيف في أوائل القرن العشرين وقدم لأول مرة في مدينة "برنو" بتشيكوسلوفاكيا عام 1938.
ثم قدمته فرقة كيريف عام 1940 وتم تقديمه علي مسرح البولشوي عام 1948 والعرض الأول صمم رقصاته ليوتيد لافروفسكي والذي ظلت تصميماته الأكثر شهرة، وتُعد مرجعية لباقي المصممين، وكانت هي أيضاً الأساس الذي أقام عليه دكتور عبدالمنعم كامل رقصات هذا العرض بالإضافة لبعض التصميات لكرانكو وماكميلان، وأضاف من إبداعاته بعض الرقصات الإضافية التي دخلت في نسيج العمل.

عدسة صلاح سعيد

وباليه بروكفيف جاء مطابقاً إلي حد كبير لأحداث المسرحية من حيث السيناريو متعدد المشاهد وعبدالمنعم كامل في إخراجه لهذا العمل أختصر بعض التفاصيل الدرامية الصغيرة ولكنه أستطاع أن يحافظ علي الجوهر مع تركيزه علي الصراع بين عائلتي روميو وجولييت.

وسيرجي بروكوفيف (1891- 1953) مبدع هذا العمل ولد في أوكرانيا وتلقي تعليمه الموسيقي في بطرسبرج وبعد ثورة روسيا عام 1917 خرج متجولاً  فى أوربا وأمريكا واليابان، ثم عاد إلي وطنه عام 1934 ليستقر فيه ويصبح إحدي العلامات الإبداعيه الشهيرة في الإتحاد السوفيتي وتجمع موسيقاه بين كثير من العناصر الكلاسيكية والمعاصره، حيث تتسم ببساطة الألحان مع لغة هارمونية حديثة تتضمن بعض التنافرات مع إستخدامه بعض الإيقاعات والميلوديات الشعبية الروسية لبعض أعماله.

عدسة صلاح سعيد

ويتضمن إنتاجه الموسيقي العديد من المؤلفات الخالدة والتي لا يخلو منها أي برنامج لأروكسترا أو فرقة باليه ومن هذا المؤلفات" روميو وجولييت " و "سندريلا" وإحدى عشرة أوبرا من أشهرها "الحرب والسلام" وله سبع سمفيونيات وقصة الأطفال الشهيرة "بيتر والذئب".

وبالية "روميو وجولييت" من أعمال بروكفيف الخالدة والتي أكسبته شهرة كبيرة وقدمه لنا عبدالمنعم كامل من خلال 12 مشهدا في إطار 3 فصول تدور أحداثها في مدينة "فيرونا" بإيطاليا، وتبدأ بالشجار والصراع بين كل من عائلة روميو وعائلة جولييت وتنتهي بإنتحار البطلين وبين البداية والختام تأتي قصة الحب الرومانسي ومحاولات الدفاع عنه، والمشاهد جميعها جاءت من خلال ديكور بسيط ومختزل ومال أحياناً للتجريد بالتحديد في مشهد الشرفة الذي رمزلها بسور في الخلفية.

عدسة صلاح سعيد

فقد جاءت المشاهد الجماعية ذات تصميمات ثرية في الملابس والأكسسوار والحركة المتدفقة والمعبرة والتي تتناسب مع الموسيقي ذات الإيقاعات الكثيفة.

أما آداء الراقصين فقد كان بارعاً خاصة في قدرتهم علي التعبير عن الإنفعالات المختلفة من خلال التمثيل الإيمائي وتواكب الحركة وتناسبها مع الخط الدرامي.

أما الأبطال روميو وجولييت فكانا علي درجة عالية من الدقة والأداء وفهم الشخصية وهم بالتناوب "انيا اهسين، وأحمد يحى، ومريم كارا بيتيات، وممدوح حسن"، وعموما تألق في العمل نجوم فرقة البالية المصريون "سحر حلمي، ونينت نظمى، وندى عمرو، ورجوي حامد، وآيات أحمد، وهانى حسن، وإسلام دسوقى، وحسن التابعى، ومحمد حامد، ويوسف أيمن، وسعيد محسن، وأحمد سعيد، وأمير تادروس، وفادى نبراوى، ومحمد حسنى، ويوسف أيمن،  وصفوت محمد، وعبد الرحمن صلاح، وفاروق الشريف، وسمير بسيونى".

• القيادة الموسيقية.

ولأن هذا العمل يعد ذات قيمة فنية عالية لعشاق الموسيقى نجد قائد الأوركسترا الذى يفسر لنا فكر المؤلف يقع عليه عبئ كبير فى نجاح العرض، وكان المايسترو نادر عباسى قادرا على أن يجعل الجمهور يستمتع بهذا العمل الذى سبق أن قدمته الفرقة عدة مرات، كانت هذه أجملهم حيث أستطاع المايسترو نادر أن يقدم موسيقي العمل باسلوب متميز ومتقن فنيا،ً خاصة إنه من الأعمال الصعبة من الناحية الموسيقية لأن هناك تناوبا دائما بين الوتريات وآلات النفخ، كما أن هناك تناقضاً في التعبيرالموسيقي طبقاً للمواقف الدرامية والتي تنوعت بين رومانسية حالمه وشجار وعنف وكراهية وأيضاً ترقب وخوف وتوتر؛ حتي الألحان الدالة للبطلين والتي أستخدمها بروكفيف في المقدمة الموسيقية وطوال العرض نجد فيها تضاداً، حيث  بينما لحن روميو نشط وسريع يأتي لحن "جولييت" هادئا ورقيقاً.

هذه الصفات حافظ عليها المايسترو عباسى وقد استمتعنا بموسيقي مشهد "الشرفة" الشهير الذي يتميز بألحان ذات طابع غنائى هادىء عريض يتم أداءها بالتناوب بين الوتريات وآلات النفخ الخشبي فى توازن  بين المجموعتين حافظ عليه المايسترو نادرر بمهارة.

المايسترو نادر عباسي

• ديكور وإضاءة.

من الناحية الإخراجية كان هناك تضافر جميل وموظف بشكل جيد بين الديكور البسيط للفنان محمد الغرباوى، والملابس والحركة، وإضاءة ياسر شعلان، وقد تجلي هذا في المشهد الأخير الذي يُعد من أجمل مشاهد هذا العرض وتم إخراجه بتميز، حيث يري روميو حبيبته نائمه فوق القبر ويتصور أنها ماتت فينتحر وعندما تستيقظ تنتحر هي الأخري.

لقد جاءت حركة البطلين وتنوع الإضاءة ودلالتها الرمزية المعادلة لمشاعر العاشقين كل هذا في شكل جمال بديع كان خير ختام لهذا العمل الجميل الذي جسد بالحركة والموسيقي عالم شكسبير المبدع.

عدسة صلاح سعيد