الفرقة المصرية تتألق في "بحيرة البجع" مهارة في الرقص وتنفيذ جيد للموسيقى وإحترافية عالمية في الإنتاج
إذا كانت فرقتنا المصرية تفتخر بأن لديها رصيد فنى كبير من الباليهات العالمية التى للراحل د.عبد المنعم كامل(1947-2015)، الفضل في تقديمها فإن باليه "بحيرة البجع" يعد درة هذا الرصيد وأحد الطوابق الهامة في بناء الريبرتوار الكلاسيكى لهذه الفرقة.
الكلام بمناسبة عرض الباليه منذ أيام بعد غياب بدار الأوبرا بواسطة هذه الفرقة المتميزة وبمصاحبة أوركسترا أوبرا القاهرة بقيادة المايسترو ناير ناجى .
وبالية "بحيرة البجع" شاهده الجمهور المصرى من البولشوى عدة مرات حيث كانت زيارته الأولى لمصر في قاعة المؤتمرات عام 1992 وكانت من إعداد دكتورة ماجدة صالح، ثم استضافته الأوبرا بالمسرح الكبير عام 1997 وفى 2003 تم تقديمه من «بولشوى بيلا روسيا» سنوات 2008 و2009 وأنتجته الفرقة المصرية وتم تقديمه لأول مرة في ديسمبر 1992، ولعب البطولة حينذاك دكتور مجدى صابر رئيس الأوبرا الحالى، وأرمينيا كامل المدير الفنى للفرقة، ودور البجعة السوداء لعبته دكتورة منال زكريا، وكان بمصاحبة أوركسترا الأوبرا في بداية إنشائه بقيادة المايسترو البلغارى "إيفان فيليف"، وتوالى تقديمه تباعا بعد ذلك من خلال قادة موسيقيين مختلفين وبأجيال متعاقبة من الراقصين والراقصات والفنيين.
وهذا العمل رفيق لعملين آخرين هما "كسارة البندق" و"الجمال النائم" والثلاثة من ركائز فرق الباليه العالمية ومن عيون التراث الكلاسيكي وتحظي دائماً بإقبال جماهيري كبير، ومن إيجابيات فرقتنا القومية أن الثلاثة من رصيدها الفني الأساسي منذ بداية إنتقالها في أوائل التسعينيات إلي دار الأوبرا.
ومؤلف هذه الروائع وبالتحديد "بحيرة البجع" موضوع حديثنا هو المؤلف الروسي الشهير بيتر إلتيش تشايكوفسكي "1840 - 1893" الذي كتب كثيراً من الأعمال الخالدة منها 7 سيمفونيات ومجموعة من مؤلفات الكونشرتو للبيانو والكمان و8 أوبرات .
وتعد أعماله للباليه من أشهر مؤلفاته وأكثرها رواجاً وكان ينظر إليه المؤلفون الموسيقيون والنقاد في روسيا أنه أوروبي في إتجاهاته وليس قومياً، ولكن نقاد العصر الحديث والنظرة الحالية له أكدت أنه مؤلف قومي أستطاع أن يمزج تراثه الموسيقي الروسي بتأثيرات الموسيقي الأوروبية لتشكل طابعاً خاصاً به مميزاً لإبداعه، ويعد تشايكوفسكى نقطة تحول في كتابة موسيقى البالية حيث ربط الموسيقى بالدراما والإهتمام بالجانب التعبيرى وإستخدام قدراته الإبداعية في التلوين الأوركسترالى البراق.
والعمل كتبه تشايكوفسكى عام 1871 بتكليف من مديرى مسرح أوبرا موسكو وعرض لأول مرة في البولشوى عام 1877 ولم يحقق العرض نجاحا حيث لم يتقبل الجمهور والرقصون طبيعة موسيقى تشايكوفسكى ذات الإيقاعات النشطة التى تتطلب تمكن شديد من الحركة مما جعل هناك الكثير من التعديلات التى دخلت عليه في كل من التصميم والموسيقى إلى أن عرض عام 1895 بمسرح سان بطرسبرج من تصميم "ماريوس باتيبا" و"ليف ايفانوف"، وهى التصميمات التى تم الإعتماد عليها في هذا العرض بالإضافة لتصميم المصمم المعاصر فلاديمير بورمايستر (1904-1971) .
ولكن وفق إخراج ورؤية عبد المنعم كامل وإضاءة ياسر شعلان وديكور محمود حجاج وقد أضاف كامل عام 2013 مشهدا في مستهل فصل النهاية للصراع بين الخير والشر برؤية رمزية جديدة أرى أنها جاءت مبالغة في التجريد وبعيدة عن الطابع الكلاسيكى للعمل ولم تمثل إضافة له .
وبالية "بحيرة البجع" من ثلاثة فصول ومقتبس من أسطورة ألمانية وتدور قصته حول الأمير "سيجفريد" التى ترغب والدته الملكة في تزويجه ولكنه يقع في حب فتاة تدعى "أوديت" يراها في البحيرة أثناء رحلة الصيد ثم يكتشف أنها مع مجموعة من البنات، قام الساحر "روتبارت" بجعلهن بجعات طوال النهار ويفك السحر ليلا ولن يرجعن لصورتهن الطبيعية، إلا أن يكون هناك شخص يقع في غرام البجعة "أوديت" بإخلاص وهذا يحدث من "سيجرفيد"، ولكن الساحر يذهب مع إبنته البجعة السوداء "أوديل" إلى حفل في قصر الأمير التى يجعلها تشبه "أوديت" ليقع "سيجفريد" في حبها ويصارحها بحبه ظنا منه إنها محبوبته البجعة البيضاء، ويكتشف الخدعة ويسعى لإسترضاء "أوديت" ويدخل في حرب مع الساحر حتى يتمكن من قتله وعودة البجعات لصورتهن الإنسانية.
• متعة بصرية.
وعرض"بحيرة البجع" هذا الموسم يعد من أقوى عروض هذا العمل الذى قدمته الفرقة على مدار تاريخها، حيث تميز بكثرة عددية أعطت ثراء للمسرح كما كان هناك دقة متناهية في الأداء ودرجة من الإحتراف العالمى تدعو للفخر.
كما كان هناك إهتمام واضح بكل تفاصيل العمل من حركات راقصة ينفرد بها هذا الباليه ومن ديكور وإضاءة وأزياء وإكسسوار وماكياج وقد تميز الراقصون في تأدية الحركات الراقصة المميزة لهذا العمل من رعشة الساقين والوقوف على ساق واحدة، ومن حركة الأيدى والأصابع التى تشبه اجنحة الطير وثم الرقصات الثنائية ذات الحركات الصعبة سواء من البجعة البيضاء أو السوداء، التى أداها على مدى ثلاثة أيام كل من "أنيا حسين، وييوليا يراير، وكاترينا زيبرزنها" ولعب دور "سيجفريد" أحمد يحى وممدوح حسن والراقص البرازيلى زيجمارس كيرينكو، والأطقم الثلاثة أحسنوا في الأداء لدرجة يصعب المقارنة بينهما وهذا أيضا ينطبق على دور الساحر "ريبارت" الذى قام به هانى حسن ويعد من أدواره الشهيرة وتقاسم معه الدور إسلام الدسوقى الذى بدأ يبزغ نجمه في عدد من الباليهات، كما تفوقت أيضا المجموعات الثلاثية والرباعية .
أما الرقصات الجماعية كانت نموذجا مثاليا في الحركة وكانت متعة بصرية هائلة للكثرة العددية ودقة الحركة والتعبير الدرامى.
• موسيقى خالدة.
وإذا كان "بحيرة البجع" ذات قيمة في مجال الحركة الراقصة نجد أن الموسيقى تمثل الإبداع الحقيقى الذى حقق لهذا العمل الخلود، وقد نجح المايسترو ناير ناجى في التفسر الموسيقى والتنفيذ الجيد، كما تفوق العازفون خاصة في الألحان الشهيرة مثل اللحن الدال على البجعة البيضاء في بداية الفصل الثانى الذى تؤديه آلة الأبوا، بمصاحبة الهارب مع العزف المرتعش من الوتريات، ولحن الرقصة الرباعية النشط الذى تؤديه آلات النفخ الخشبى والتى تعد من أشهر الرقصات الرباعية في تاريخ الباليه الكلاسيكى.
ورقصة البجعة السوداء مع الأمير والرقصة الأسبانية في الفصل وغيرها من الموسيقى الدرامية المعبرة التى يستحق المايسترو والعازفين كل التحية عليها كما أن هناك إجتهاد واضح لمجموعة المدربين على الرقصات والتقدير الكبير للباليرينا أرمينيا كامل مديرة الفرقة والتى لها الفضل في تقديم هذا العرض المتميز ومازالت هناك الأمنيات بأن تضم الفرقة الباليرينات المصريات لتصبح بحق فرقة مصرية خالصة.
وكلمة أخيرة للدكتور مجدى صابر رئيس الأوبرا هذا الباليه يستحق تسويق جيد ليعرض في الخارج.