أنقذوا مسجد "السلطان الأشرف قايتباي" الذي تجاوز عمرة الـ 545 عام
• أثار صحراء المماليك المنسية، مسجد الأشرف قايتباي يتحول إلى ملجأ للكلاب وسط غياب المسئولين.
• الأهالي: المنطقة تعاني الإهمال رغم وجود "هيئة الآثار" على بُعد خطوات منها.
آثار صحراء المماليك المنسية، هو العنوان العريض الذي جعلنا نكتشف تلك الكارثة، لنلقى الضوء عليها وذلك بعد إهتمام «أسرة أسلوب حياة جامعة القاهرة» لرئيسها الدكتور أسامه أيمن، بأحياء المساجد وإعاده الحياة إلي التراث القديم، حيث كلف الدكتور أسامه، الدكتور مصطفي محمود مسئول العلاقات العامه والشئون الخارجية بإعطاء تقرير صريح عن حالة مسجد السلطان الأشرف قايتباي الذي يقع بمنطقة مصر القديمة، حيث قام الدكتور مصطفي بالذهاب للمعاينه وإعطاء التقرير، ليصل إلينا ما شاهدة من كارثة، استوجبت البحث في الأمر بشكل متعمق للوقوف علي كافة جوانب الموضوع من كل الزوايا، بدءاً بتاريخ المسجد ومروراً بقيمته، وانتهاءاً للوضع الحالي له.
تاريخ مجموعة السلطان قايتباي
مجموعة السلطان قايتباي بصحراء المماليك هي مجموعة معمارية أثرية شهيرة بالقاهرة مبنية على الطراز الإسلامي، بنمط معماري مملوكي، إذ يعود إلى عصر المماليك الجراكسة، وتم إنشاء المجموعة خلال الفترة من "877هـ - 1472م إلى 879هـ - 1474م".
وتم بناء المجموعة علي مساحة 1088 متر، وتضم المجموعة عدة منشآت تتمثل في مسجداً يحتوي علي مآذنه وقبه واحدة، وإرتفاع المئذنة 130 قدم، ومدرسة وملحقاتها وقبة وسبيل وكتاب ومقعد للسلطان وحوض لسقاية الدواب وربع لإقامة الصوفية.
والجدير بالذكر إن هذا المعلم الأثري وضعت صورته علي العملة المصرية "الجنية المصري" ليكون رمز العملة المصرية، وبرغم ذلك تم نسيانه ليصبح شبة حطام، تأكل من الإهمال.
من هو السلطان الملك الأشرف أبو النصر قايتباي؟
هو السلطان الذي أمر بإنشاء مسجد السلطان الملك الأشرف أبو النصر قايتباي المحمودي الأشرفي ثم الظاهري الجركسي الأصل، والذي ولد سنة "826هـ - 1423م"، ولُقب بالمحمودي نسبة إلى أستاذه الذي جلبه إلى مصر سنة 839هـ الخواجه محمود بن رستم، ثم اشتراه الملك الأشرف برسباي فلُقب بالأشرفي، ولما اعتلى الظاهر جقمق كرسي السلطنة، اشتراه فلُقب بالظاهري، واعتقه وصار جمداراً، ثم خاصكياً، ثم دواداراً.
وفي سنة 862هـ أنعم عليه السلطان الأشرف إينال بإمرة عشرة حتى عينه الظاهر خشقدم أمير طبلخاناه، ثم شاد الشرابخاناه، وفي عهد السلطان الظاهر بلباي عين رأس نوبة النوب، وعندما تولي الظاهر تمربغا عينه أتباكاً للعسكر.
وعندما ثار خاير بك، على الظاهر تمربغا، اتفق العسكر على سلطنة قايتباي بزعامة من طائفة المماليك الإينالية والخشقدمية، فقبضوا على خاير بك وخلعوا الظاهر تمربغا من السلطنة بحضور الخليفة العباسي يوسف المستنجد بالله الثاني، وقضاة المذاهب الأربعة، وبايعوا قايتباي مُرغماً سلطاناً وكان ذلك سنة 872هـ - 1468م، ليصبح الخامس عشر من ملوك الجراكسة، وأولادهم بمصر والحادي والأربعين من ملوك الترك وأولادهم، وكان عمره آنذاك أربع وخمسين عاماً.
(الدرع الحربي أو القميص المصفح الخاص بالسلطان الأشرف قايتباي بمتحف المتروبوليتان للفنون، نيويورك، الولايات المتحدة)
تزوج قايتباي من خوند فاطمة بنت العلائي بن خاص بك، وأنجب منها ابنه أحمد وابنته ست الجراكسة وكلاهما مات صغيراً، أما سريته خوند أصلباي فأنجب منها ابنه محمد سنة 887هـ وهو الذي تسلطن بعده.
ظل قايتباي يقوم بأعباء الدولة في عزم وثبات، وواجه حروب شاه سوار أمير دلغار، وحسن قوصون الطويل حاكم دولة آق قويونلو، وسلاطين آل عثمان، وثورات العربان والجلبان، وعصيان بعض أقاليم السلطنة.
كان قايتباي متقشفاً في النفقة على المماليك مع عظم إنفاقه على الجيوش والحروب، مما تسبب في ثورة بعضهم عليه ودفع ذلك السلطان إلى التهديد بترك كرسي السلطنة أكثر من مرة حتى نفذ تهديده فعلاً سنة 894هـ وخلع نفسه، وكانت مدة سلطنته وقتئذ 22 عاماً تقريباً، إلا أن المماليك جددوا له البيعة مرة أخرى في حضرة الخليفة المتوكل على الله عبد العزيز والقضاة الأربعة.
وظل متولياً ملك مصر إلى أن توفي سنة 901هـ - 1496م ليكون بذلك أطول سلاطين المماليك جلوساً على كرسي السلطنة بعد الناصر محمد بن قلاوون، حيث ظل يقوم بمهام الدولة لمدة 29 سنة تقريباً.
كان قايتباي من خير ملوك الجراكسة، وكانت مصر في عهده مقصداً للمضطهدين في البلاد المجاورة، وعاش الأجانب في عهده في سلام ومارسوا تجارتهم دون أن يتعرض لهم أحد، وكان يضفي رعايته على العلماء والنابهين من الصناع والأعلام، ويواسي المرضى من رجال دولته، وفياً لذكرى من مات منهم، وراعياً لأبنائهم، وكذلك لأولاد السلاطين الذين سبقوه في الحكم، وكان في ذلك سباقاً شجاعاً، إذ جرت العادة على أن يرتاب الملوك نسل من سبقوهم من الحكام، وأظهر عطفه على الفقراء وأرباب الديون وذوي الحاجات والمعوزين، وكان ينظر في الشكاوى بنفسه ويساوي بين الأمراء وأقاربه وأقرب الناس إليه وغيرهم من عامة الناس، ولم يكن تواقاً إلى البطش حتى بمن كان يكره بل ينصفهم إذا ظهر الحق في جانبهم.
وخفف كذلك من الضرائب على العمال والصناع إذا اقتضى الأمر ذلك، وتميز بردعه للعابثين والمفسدين والمنحرفين والمستغلين حتى ولو كانوا من القضاة أو من رجال الدولة أو المقربين إليه، وكانت فيه نزعة للصوفية وله اعتقاد في المشايخ والأولياء والصالحين، وكان محباً للسفر، مغرماً بالعمارة، وله منشآت كثيرة بمكة والمدينة والقدس، وطائفة من المنشآت في مصر تنوعت بين المساجد والمدارس والوكالات والمنازل والأسبلة والقناطر، وعنى بالحصون فأنشأ قلعة بالإسكندرية وقلعة أخرى برشيد، وامتازت كل منشآته بالرشاقة ودقة الصناعة.
أين يقع مسجد السلطان المملوكي الأشرف؟ والقيمة التاريخية له؟
إن مسجد السلطان المملوكي "الأشرف بن أبى الناصر قايتباى"، يحتل منطقة "صحراء المماليك" متوسطاً خريطة العاصمة، وهي منطقة حافلة بالمعالم الأثرية المهمة، التي تؤرخ لفترة الحكم المملوكي لمصر، لكن المنطقة تعاني حالياً الإهمال الشديد، مما يدعنا ندق ناقوس الخطر بفناء هذا التاريخ إذا أستمر الحال كما هو.
وكان المماليك قد أنشأوا المساجد بهذه المنطقة، وألحقوا بها السبُل والكتاتيب والقباب في القرن التاسع الهجري وطبقًا لما هو صادر عن وزارة الآثار في "صحراء المماليك" أكثر من خمس وثلاثين معْلمًا أثرياُ تجاوز عمرها الخمسة قرون.
ويقع مسجد السلطان المملوكي "الأشرف بن أبى الناصر قايتباى" في شارع السوق بحي منشأة ناصر في القاهرة، ويرجع تاريخه إلى عام 1474م، ونتيجة لجمال المسجد والتراث الذي يتسم به، فقد رُسم على الجنيه المصري ليكون شاهداً على عظمة هذا البناء، ويعانى المسجد حالياً من تهالك الجدران، وهو في حاجة لحملة ترميم معماري، فضلاً عن إن المكان أصبح مأوي للحيوانات الضالة.
فيما تحولّت الساحة الأمامية له إلى موقف سيارات وورش، واختلف حال الحوض الآن عن المسجد الذي يجاوره بعد ترميمه وافتتاحه منذ عدة أعوام، فهو عبارة عن مساحة مستطيلة تحتوي على خمسة مداخل، ثلاثة منها بصفوف مُقرنصة، وعلى جانبيّ كل دخلة منهم عمود مدمج، أما الدخلتان الأخريان يُتوِّج كل واحد منهما عقد منكسر يملاه صفوف من المقرنصات أكبر الدخلات تلك الأولى والثالثة والخامسة أسفل كل واحدة منهم حوض صغير، ويوجد بالجهة الشمالية الشرقية دخلة معقودة بعقد منكسر يرتكز على عمودين مدمجين، ويتوسط الدخلة عقد ثلاثي.
أما الجهة الشمالية الغربية فيوجد بها دخلة تشبه السابقة، إلا أن عقدها الثلاثي مسدود وسقف الحوض براطيم خشبية ترتكز على دعامة مستطيلة مبنية، أما قديمًا كان يرتكز على ثلاثة أعمدة من الحجر، ويجري أعلى الدخلات شريط كتابي، وركن بأسم السلطان قايتباي.
الوضع الحالي لمسجد السلطان الأشرف قايتباي؟
إن ما يمكن مشاهدته في هذه المنطقة لن يكون سوى آثار مهدّمة ووكر لتجار المخدرات ومأوى لأطفال الشوارع، وأن المسجد يعاني من إنهيارات جدرانه والسقف وعدم توفير الإضاءة الكافية للمصلين، وخطورة عدم الإهتمام بالمسجد وإعادة الترميم لة كاملاً، حيث تم ترميم الحوض فقط، وكان لابد من ترميم المسجد والمدرسة حتى نحافظ على هذا التراث الثمين.
ويمكن أن يقال إن المنطقة مُهملة بشدة، كأن مسئولي وزارة الآثار استغنت عن الآثار الموجودة فيها، على الرغم من وجود مكتب هيئة الآثار على بُعد خطوات من جامع الأشرف برسباي.
هذا المكان التاريخي الذي يتكون من ثلاثة طوابق، وعمره يبلغ أكثر من 545 سنة.
وأيضاً أن في شارع الصليبية، بالقرب من مدرسة السلطان حسن، قد تهالكت جدران "سبيل قايتباى"، لكنه يأبى الانهيار متمسكاُ بتاريخه العريق، لتصبح منطقة الجامع والسبيل والكتّاب والربع على مساحة 1088م من الإهمال ولم يتبق من تكية "أحمد أبو سيف"، أشهر تكية للصوفيين في القرون الماضية، إلا الواجهة التي تهدّم معظمها، فضلًا عن قيام بعض الأهالي بحرق القمامة بجوار أطلال جدرانها، ما يعرضها للانهيار بالكامل في أي لحظة.
وتعانى أيضا بوابات القصر العالي بالمنطقة، طبقا لأحد الروايات، الذي قيل إن إبراهيم باشا بن محمد على بنى هذا القصر، وعُقدت به أولى جلسات مجلس الشورى، وعندما قرّرت الحكومة هدمه، اشترى السيد "على الوقاد" البوابات، وبناها في صحراء المماليك.
لتكون نتيجة الإهمال إن "جامع سلطان الأشرف" لم يسلم من الأيادي العابثة التي امتدت لنهب باب المنبر، ويتضمّن هذا المسجد، التابع لوزارة الأوقاف والذي تشرف عليه وزارة الآثار، الأعمال الخيرية الموقوفة من السلطان "برسباي" له، فضلًا عن تهدّم بعض قباب المسجد نتيجة لعدم ترميمها منذ عقود طويلة.
وإن "قبة "جانى بك الأشرف" الموجودة بجوار جامع "الأشرف برسباي" تعّرضت للانهيار نتيجة لما تستخدمه هيئة النظافة والتجميل بالحي من اللودرات الضخمة لرفع تلال القمامة من الآثار، وهو الأمر الذي أدى إلى تساقط بعض أجزاء من السور الحجري المحيط بها.
وفي النهاية يمكن القول إن ما يحدث للمسجد وللمنطقة، هو تشويه وسرقة تاريخ مصر، والإعتداء على الآثار جريمة يُعاقب عليها القانون، ولابد علي وزارة الآثار سرعة إبلاغ الجهات الأمنية لتتحرك بسرعة لإنقاذ هذه المعالم، علي أن تتحرك أيضاً وزارة الآثار وتبدأ في إعادة ترميم المجموعة، ومحاولة الحفاظ علي ما تبقى منها.
أن الآثار هي طوق النجاة في المرحلة القادمة وأن الإرث الثقافي المصري هو القادر بدوره على عودة السياحة مرة أخرى لمصر، ويجب الإهتمام بالآثاريين، وبخاصة الشباب حيث إن الآثاري هو حامي التراث لذا يجب الإهتمام به وتقديره حتى يتسنى له الارتقاء بالشأن الأثري المصري.
يجب على الفور إنشاء قطاع للترميم فمن غير المعقول أن أطباء الحضارة المصرية يكونون بلا قطاع حتى الآن، نظرا لدورهم البارز في عمليات الترميم التي تمت في متحف الفن الإسلامي وما قدموه بالجهود الذاتية في ترميم المسجد العباسي بالإسماعيلية.
والجدير بالذكر إن شباب «أسرة أسلوب حياة جامعة القاهرة»، أعلنوا عن رغبتهم في تقديم المساعدة مع الجهات المختصة، من حيث إعادة النظافة للمكان، والقيام بكافة الأعمال المساعدة مع المتخصصين من الاثاريين، لإعادة جمال وإحياء تراث المكان.