الدكتور عادل عامر يكتب: السياحة الريفية في مصر كنز لم يستغل
إن مصطلح السياحة الريفية في مصر مازال غائبًا عن أذهان الجميع، والتي من الممكن وجودها بسهولة في المجتمعات الجديدة التي تم إستصلاح أراضيها حديثًا.
فيمكن تخصيص قرى فيها للسياحة الريفية على طراز قرى الحدائق، التي أنشأها العالم البريطاني في هاورد عام 1898، ويتم التخطيط لجميع الخدمات الصحية والترفيهية والثقافية، وذلك في مزارع طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي، ومشروعات ترعة السلام ومشرعات تنمية جنوب الوادي.
أن السياحة الزراعية موجودة في بلدان كثيرة حول العالم ونحن نحفظ في المدارس أننا بلد زراعي وأننا بلد سياحي دون أن نعرف هذا النوع من النشاط الذي يمزج بين الأثنين.
فإن هناك عدة عوامل حددها، تؤثر بالسلب على هذا النوع من السياحة، وأولها التلوث في البيئة والتي تكون من صنع الإنسان، ما يمثل عبئا على مرافق الدول من وسائل النقل، الفنادق، وكل الخدمات من كهرباء ومياه، بخلاف إنتشار القمامة والفضلات فوق القمم الجبلية، إذ تمثل الجبال مناطق جذب سياحي من الدرجة الأولى فتمارس عليها الرياضة السياحية من تسلق ومشى، وتلوث التربة بالاهتزازات والزلازل وتلوث الهواء والماء، والعواصف والرياح، والزحف العمراني، وتغيرات في درجات الحرارة.
كما توجد بمصر بحيرات كقارون بالفيوم والتمساح بالإسماعيلية وأدكو بالبحيرة والبردويل بشمال وسيناء، والبرلس بكفر لشيخ وناصر بأسوان، ومريوط بالإسكندرية، والمنزلة بالدقهلية، والمرة بالإسماعيلية، وأيضا توجد كنوز مخفية في الصحارى المصرية مثل نباتات الفرو والبرية التي تزيد على 200 نوع وتنتشر عبر الصحارى والواحات والحقول المصرية موفرة مصادر متجددة من الغذاء والدواء لكل من الإنسان والحيوان، ولكنها لم تستغل الاستغلال الأمثل حتى الآن، بل إن كثيراً منها مهدد بالانقراض.
وكذلك يمكن تطبيق السياحة الريفية على محافظة الفيوم التي اشتهرت بأنها واحة الصحراء وسوير الشرق والجنة الظلال، لأنها تتميز بالتقاء البيئات الطبيعية الثلاث الساحلية والزراعية والصحراوية معاً في تناغم جميل، فترسم بذلك صورة رائعة لا تتوفر إلا فيها خاصة إذا كانت في إطار من النقاء البيئي والمناخ والموقع المميز على خط السير والسياحة القريبة من العاصمة.
كذلك يوجد في الفيوم سياحة الرياضات المائية وصيد الأسماك ومراقبة الطيور المهاجرة واصطيادها حيث تأتى إليها مجموعة من الطيور المهاجرة كل عام، وأهم فترة للصيد بالسنارة من يونيو إلى سبتمبر ويوجد ببحيرة قارون أسماك الموسى والطوبار والبورى والحفار والبلطى والدنيس، كذلك يوجد فيها قرى سياحية مثل فندق الفيوم وفندق بانوراما شكشوك وقرية الواحة السياحية وكافتيريا اللؤلؤة وكافتيريا بلاج البحيرة، أما أسماك بحيرات وادى الريان فتشمل قشر البياض والبياض والبورى والبلطى والمبروك والحنشان والقراميط.
وكذلك يوجد بالفيوم سياحة رياضات السفارى وسياحة الرياضات المائية على شاطئ البحيرات مثل التجديف والألواح الشراعية وحمامات الشمس والسياحة الترفيهية، وأنواع من الطيور المهاجرة "كالخضراوى والكوركى والزرقاوى والبجع والشاعر والوداد والغوو القطى والعطيس والبلسات والصقور النادرة"، وتكثر في فصل الشتاء وتشتهر صحراء الفيوم بالغزال الأبيض النادر وجوده على مستوى العالم.
وايضاً أنه يمكن تطبيق السياحة الريفية في محافظة القليوبية، حيث يوجد بها القناطر الخيرية التي تتميز بمساحات كبيرة جداً من الحدائق والمتنزهات، وقام بوضع حجر الأساس لها محمد على باشا والى مصر وقتها، وذلك وسط احتفال مهيب وهى من المعالم السياحية على مستوى الجمهورية وتبعد عن القاهرة 22 كم.
ومن أمامها خرج الرياح التوفيقي والرياح المنفى والرياح البحيري وتفرع النيل إلى فرعى دمياط ورشيد وتضم القناطر الخيرية أكثر مساحة من الحدائق والمتنزهات على مستوى المحافظة وتصل إلى 500 فدان إلى النيل مباشرة.
في محافظة الدقهلية توجد قرى سياحية مثل قرية الزهور وقرية عثماثون وقرية جزيرة الورد والقرية الفرعونية ومصيف ضابط الشرطة ومصيف ضابط القوات المسلحة ومصيف جمصة وبحيرة المنزلة وحديقة الأطفال بالمنصورة وحديقة الطلائع وحديقة الحيوان وشاطئ النيل وتمثال أم كلثوم الجديد.
وكذلك يوجد في محافظة كفرا لشيخ مصيف بلطيم وبحيرة البرلس وقرى الخريجين وحديقة صنعاء والإستاد الرياضي وفندق الرياضيين والقرية الأوليمبية، وأيضاً يوجد في محافظة دمياط مصيف رأس البر ومجموعة كبيرة من الحدائق والمتنزهات.
كذلك يوجد في مصر المحميات الطبيعية، حيث ثروة قومية نادرة فريدة، إنها ليست مجرد نباتات وحيوانات وطيور وأرض، بل مياه تحوى أسماكاً وشعباً مرجانية نادرة يصل عمرها إلى 20 مليون سنة، بل هي تراث الماضي والحاضر والمستقبل ينبغي الحفاظ عليها والتخطيط بجدية لتنميتها في عصر لم يعد فيه الحفاظ على البيئة رفاهية، بل هي أساس لصون حياة الإنسان وتمثل الـ 49 محمية طبيعية 15% من مساحات مصر الكلية إلى حوالى 40 مليون فدان، وذلك بالإضافة إلى الجهات الحدودية التي تمثل 30% من مساحة مصر وهذه المناطق محمية بنفسها وفى شبه جزيرة سيناء وحدها فإن أكثر من 40% من مساحاتها معلنة.
كمحميات طبيعية وهى نموذج عالمي للبيئة وهذه المحميات تضم كل خيرات الأرض وكل الكائنات الحية التي خلقها الله في صورها الجميلة وفى حالتها البكر الفريدة.
أن التغيرات المناخية والعادات والتقاليد تؤثر كثيرًا في السياحة الريفية، فمثلًا محافظة المنوفية، هناك قيم لا يزال أهلها يحافظون عليها، هي التي تجذب السائح إليها، كذلك الجو والمناخ المعتدل في بعض المحافظات الشمالية كل ذلك يمثل بالنسبة للسائح الكثير، فهو لم يأت لمشاهدة المياه فقط وإنما جاء لرؤية الطبيعة الخضراء أيضًا، و أن الواحات البحرية والصعيد فيهما سياحة ريفية جميلة ولا تزال تلك المناطق تملك بالفعل قدرة كبيرة على جذب السائح إليها. السياحة البيئية كما ذُكر واحدة من أسرع قطاعات السياحة نمواً مما يجعل زيادة النمو حتمية لتصبح السياحة البيئية مضاعفة الفوائد و الأضرار أكثر حيث يمكن أن تحمل ضمناً الفوائد للمنطقة و السكان و لكن لا يمكن التغاضي بأنه مهما كانت أضرار هذه السياحة قليلة فهي موجودة و تراكمية على المدى الطويل.
إن فوائد السياحة البيئية المباشرة تتوزع ما بين تشجيعها لحفظ و صيانة البيئة و إلى فائدتها المرجوة للسكان والمجتمعات المحلية.
بالمقابل هناك أضرار مباشرة قد تتمثل بعدم إمكانية تحمّل أماكن السياحة البيئية التزايد المحتمل في هذا القطاع حيث يصعُب وجود مقياس دقيق قابل لرصد الأضرار البيئية و على المدى الطويل.
هذا إضافة إلى وجود أماكن بيئية "هشة" أكثر من غيرها قد لا تحتمل التعرض للسياحة أبداً. فكما تغيّر السياحة الثقافة المحلية، أو على الأقل تساعد مع الوقت على تغيرها، فإنها تترك أثرها في الطبيعة.
إضافة إلى تشكيل دائرة متكررة حيث هناك تسويق للسياحة بنقاط جذبها "البكر" و التي مع الوقت تصبح مستهلكة و غير "أصيلة" مما يستدعي البحث عن نقاط "بكر" أخرى... الخ.
فالنتيجة مهما كانت بعيدة ليست لصالح الثقافة أو البيئة، ولهذا فإن الحرص والتخطيط الطويل مطلب أساسي عند التسويق لأماكن سياحة بيئية، وكذلك فإن الحاجة ماسة لوجود جرأة بأخذ قرار لإيقاف السياحة / البيئية رغم مردودها الإقتصادي عندما يزداد ضررها الثقافي والبيئي كثيراً.
مما تقدم و من ضرورة الحرص على مواردنا البيئية وخاصة المحميات التي تعتبر نقاط الجذب الأساسية للسياحة البيئية فإنني أقترح هنا بدائل أو موازيات جذب بيئية موجدة في ريفنا.
هذه البدائل تخفف الضغط المباشر عن المحميات وكذلك تحوي من الموارد ما يمكن العمل عليه طويلاَ وإستخراج الكثير من كنوزه.
السياحة الزراعية تعني زيارة السائح لمزرعة خاصة أو مشروع زراعي، والاستمتاع بعدد من الأنشطة التي يتم تنظيمها أو تنفيذها على أرض المزرعة، تشمل السكن لمدة قصيرة مع الأكل،
وتشجع الدول على تنمية السياحة الزراعية لما تتركه من آثار اقتصادية وإجتماعية وثقافية وبيئية إيجابية حيث ستوفر وجهات سياحية للمواطنين لقضاء أوقات فراغهم في إجازة نهاية الأسبوع أو الإجازات القصيرة في المناطق الزراعية القريبة، هذا بالإضافة إلى كونها مصدر لتحسين دخل الفلاح وتحقيق عائد إقتصادي للفلاح من السياحة مضاعف أفضل من مردود الزراعة فقط، بما يسهم في توفير فرص عمل جديدة لأبناء المناطق الزراعية وتقليل الفجوة في الدخول بين سكان الريف والحضر.
وتتمتع مصر بالمقومات التي تساهم بالفعل في نجاح تقديم نمط السياحة الزراعية أو الريفية بها، حيث تنتشر فيها الرقعة الزراعية وذلك سواء في مناطق صعيد مصر أو مناطق الدلتا، ووفقاً لإحصاءات هيئة الاستعلامات يعمل بالقطاع السياحي نحو 30% من إجمالي قوة العمل، كما يسهم بنحو 14,8% من الناتج المحلي الإجمالي، وتبلغ مساحة الرقعة الزراعية في مصر 8,5% مليون فدان أي حوالي 3,5% من إجمالي مساحة مصر.
ولن يقتصر هذا النمط السياحي على السائح الأجنبي فقط، بل سيتم العمل على إدخال ثقافة سياحة المزارع للمجتمع المصري وجذبهم للمزارع القريبة من المدن لقضاء يوم أو يومين فيها خلال الإجازات القصيرة بنهاية الأسبوع أو الأعياد أو إجازات منتصف العام كمجال جديد لقضاء فترة إجازاتهم وتعلم أمور جديد.
كما يتيح لهم الفرصة لهم لمعايشة العادات والتقاليد بالمجتمع الريفي والزراعي وشراء المنتجات الطازجة من المزرعة بأسعار مناسبة سواء كانت منتجات زراعية أو حيوانية أو منتجات حرفية وتذكارية، مما سيوفر دخلاً إضافيا للمزارع نفسه أعلى من العائد الذي يحققه من الزراعة بمفردها.
ويساهم تطوير السياحة الزراعية في بقاء المزارعين بمزارعهم وتطويرها كمصدر دخل جيد وستكون من الأنشطة التي توفر فرص عمل جديدة للمواطنين سواء للعمل في مزارعهم أو تقديم خدمات للسياح مما ستساهم في الحد من هجرة أهل الريف للمدن.