بالية كليوباترا نقطة مصرية مضيئه في مسيرة دار الأوبرا (رؤية نقدية كريمان حرك)
• موسيقى سعد باشا خطوة محلية للعالمية .
• كثرة المشاهد أنعكست على الوحدة الدرامية .
• مهارة الرقص عوضت فقر الرؤية الحركية .
بالية كليوباترا أحدث إنتاج لدار الأوبرا يُعد من أهم أحداث هذا الموسم، لأنه يؤكد أن فكر الوصول للعالمية عن طريق المحلية بدأ يتسلل إلى المسئولين بعد طول غياب، ولأنه خطوة ثبت من خلالها أن لدينا مبدعين مصريين لديهم الموهبة والدراسة التى تسهم في التقدم الحضارى للبلاد .
البالية من إبداع المؤلف الموسيقى محمد سعد باشا بتكليف من دكتور مجدى صابر رئيس الأوبرا، والذى سوف يحسب له هذا في تاريخه الإدارى لهذا المكان، وكنا نتمنى أن يكتمل بتصميم مصرى أيضا .
وفكرة إبداع بالية مصرى ليست وليدة الساعة بل بدأها الموسيقار الراحل عزيز الشوان 1916 - 1993 بالباليه الطويل "ايزيس وايزوريس" في أواخر الستينيات، ولكن للأسف لم ير النور من الناحية الحركية، ولكن تم تسجيله موسيقيا بواسطة العلاقات الثقافية الخارجية، ثم قدم جمال عبد الرحيم 1924 - 1988 باليه قصير بعنوان "ايزوريس" من تصميم عبد المنعم كامل، وتم تقديمه عدة مرات في أوخر الثمانينات، وأدته فرقة البالية عندما كانت تابعة لأكاديمية الفنون ثم أنتجته دار الاوبرا بعد ذلك .
وكان لعبد الرحيم باليه قصير أخر بعنوان "حسن ونعيمة" تم تقديمه أيضاً موسيقياً فقط، كما أنتجت دار الأوبرا لكامل أيضا الباليه القصير "النيل" على مختارات من موسيقى عمر خيرت في أوائل التسعينيات، كما أن فرقة الأوبرا الرقص الحديث نفذت لنادر عباسى عرض "بين الغسق والفجر" عام 2005 من تصميم وليد عونى .
دار الأوبرا تضيئ مسيرتها الإبداعية ببالية كليوباترا .
أما موضوع "كليوباترا" فقد تناولته فرقة الباليه المصرية عام 1996 بعمل قصير ولكنه لم يكن مصرياً إلا من حيث التمويل فقط، لأن صاحب الموسيقى كان المؤلف الروسى أنطون أرنسكى 1861 - 1906، وجاء كل عناصر العمل روسية باستثناء الراقصين المصريين حينذاك مجدى صابر وأرمينيا كامل وصفوت فتحى .
العمل الذى أنتجته دار الأوبرا حالياً وقدمته فرقة باليه أوبرا القاهرة تحت إشراف أرمينيا كامل بمصاحبة أوركسترا أوبرا القاهرة وبقيادة المؤلف، ويدور حول القصة التاريخية الشهيرة لكليوباترا ملكة مصر وزواجها بمارك أنطونيو الذي اقتسم حكم الإمبراطورية الرومانية مع أوكتافيوس بعد قتل يوليوس قيصر، ثم إعلان أوكتافيوس الحرب ضد كليوبترا ومارك أنطونيو وهزيمتهما في معركة أكتيوم البحرية ونهايتهما المأسوية بعد إنتصار خصمهما .
بعض السلبيات في عرض بالية كليوباترا .
والعمل طويل جاء فى فاصلين مدته حوالى ساعتين على شكل مشاهد منفصلة يبلغ 25 مشهداً وهذا كان من السلبيات التى أثرت على الوحدة الدرامية وتسلسل الأحداث، كما أعطت مجال كبير للوقفات التى تجعل الجمهور يصفق وكأننا فى حفل منوعات (جالا) مصمم الرقصات الكوبى "خوسية بيريز" ومعه مصممة الملابس "مانويلا شيرى" الأثنان أقل من مستوى هذا الحدث الذى يهمنا كباليه محلى يدخل ضمن ريبرتوار الفرقة الوطنية، حيث جاءت الرقصات غير مبتكرة، كما لم يعتمد عليها كلغة أساسية فى فن البالية بل الحركة المسرحية العادية والبانتوميم كانت غالبة وكأنى أشاهد مسرحية صامتة .
المصمم أعتمد على حركات كلاسيكية حديثة نوعاً ما تمتاز بالبساطة وتتشابه إلى حد كبير مع تصميمات أرمينيا كامل لرقصة المعبد فى باليه أوبرا عايدة، وخاصة فى رقصة الفتيات، ولكن لاننكر إن هناك بعض التشكيلات الجماعية الجيدة كما فى المشهدين «الأول والتاسع» فى الفصل الأول والأخير، وفى الفصل الثانى أيضاً من المشاهد الجيدة الرقصات التى تعقب الباخرة والتى كانت ترمز لوصول كليوباترا لروما وبالعكس يوليوس لمصر أيضاً كانت الرقصات الثنائية متميزة، ولكن كما سبق أن ذكرت تقليدية وليست مبتكرة .
أما بالنسبة للملابس جاءت بسيطة لا تليق بملكة وحاشيتها ولا تنتمى للحقبة التاريخية وخاصة ملابس الراقصات كما لم يكن هناك تمييز لبطلة العرض كليوباترا، وأحيانا كثيرة كان يبحث عنها المشاهد ولأن المصمم ليس له علم بأثار مصر القديمة ومغزاها، وكان يجب أن يكون لمهندس الديكور دور وخاصة أن محمد الغرباوى له باع طويل فى هذا المجال فكان يبدو القصر أحياناً على شكل معبد وتوضع تماثيل بدون توظيف .
وفى المشهد الثالث من الفصل الثانى حيث الحفل الصاخب وشرب أنطونيو الخمر حتى الثمالة نجد صورة الآلهة إيزيس تتصدر الخلفية، كما نجد تماثيل حارسى القبور فى القصر، ولكن كل هذا تم معالجته أو التخفيف من أثاره السلبية بأمرين الأول إضاءة ياسر شعلان الذى وصل لمرحلة كبيرة من النضج تعدى فكر المصمم وأستطاع أن يوظف الضوء بأسلوب تعبيرى عن الحدث وعن الموسيقى سواء بأسلوب الحركات الضوئية المتتابعة أو الإسقاط، وإعطاء شكل أو إستعمال الضوء كستارة قاتمة بعدها يظهر المشهد .
جوانب فنية ساهمت في نجاح عرض بالية كليوباترا .
أما الأمر الثانى الذى ساهم فى نجاح العرض كان الراقصين الذين يمثلون مفخرة لفرقتنا المصرية من الرشاقة وخفة الحركة والإتقان، وأيضا الجانب التمثيلى الذى كان منهج المصمم، ولقد تفوق الراقصون الرجال والذى هم جميعاً مصريون بإستثناء الضيف الإيطالى الزائر "ماريو جونيفيزى" ويكونون حالياً «جيلا» يحمل راية الباليه المصرى وهم "أحمد يحى، وهانى حسن، وممدوح حسن، وإسلام الدسوقى، وحسام محمود، ومحمد حامد، وحسن التابعى، وعمر أمين، وأمير تادرس" .
ولكن كالعادة افتقدنا الباليرينا المصرية حيث أن جميع الراقصات أجانب ولا ننكر تفوقهن فى الأداء والسؤال لماذا لم يتم الإستعانة بالسوليست المصرية الوحيدة "سحر حلمى" رغم إنها كانت مناسبة تماما لدور كليوباترا ؟، على الأقل تكون البطولة مصرية فى أول باليه تنتجه الدار ليحمل الهوية المصرية .
الموسيقى هنا كانت البطل الباقى والذى قد تختلف رؤى التناول الحركى، ولكن سوف تبقى هى الأساس وبالرغم من إنها التجربة الأولى للمؤلف فى عالم البالية، إلا إنها جاءت على مستوى عالٍ من التكنيك وجمعت بين المحلية والعالمية بفهم وإدراك وإحتراف، وبدأت مثل الباليهات الكلاسيكية بإفتتاحية موسيقية قصيرة مهدت للعمل، بدأها بالهارب ثم البيانو الذى كان له دوراَ بارزاً طوال العمل، وهنا عزف اللحن الاساسى المبنى على نغمة لحنية تكررت ثم دخلت آلات النفخ النحاسى بلحن قاتم متبوعاً بإيقاعات تميل للألحان الشعبية المصرية التى تدل على الحزن، وذلك تعبيراً عن النهاية المآساوية للعمل الذى أعتمد فيه المؤلف عن التعبير عن الموقف الدرامى بلغة موسيقية متنوعة يغلب عليها تكرار النغمات والإعتماد على الآلات الإيقاعية بأنواعها المختلفة وتوظيفها، حيث تتسارع وتعلو فى لحظات الصراع ولكنه أيضاً نجح فى توظيف الكمان والهارب وآلات النفخ الخشبية وخاصة الفلوت فى تجسيد المشاعر الرومانسية وإعطاء الإيحاء بالجو المصرى القديم .
كما أن العمل يتميز بتلوين اوركسترالى براق فيه احتراف ومعرفة واسعة بالمساحات الصوتية للآلات، ولكن كما سبق أن أشرت هناك إعتماد كبير على آلات الإيقاع بتنويعاتها ولكن بتوظيف سليم فيه حداثة أتضح جلياً على سبيل المثال فى اللحن الجنائزى فى نهاية العمل، كما نجح أيضاً فى إبداع خاتمة جيدة وقوية تناسبت مع المشهد وحاز من خلالها على تصفيق حار .
ولكن أرى أن كثرة المشاهد وإظلام المسرح بلا مبرر فى أوقات كثيرة وتوقف الموسيقى تبعاً لذلك انعكست على الوحدة الموسيقية للعمل كما حدث مع الرؤية البصرية، ولكن هذا لا يمنع إن التجربة متميزة تستحق التأمل وتشجيعها وتكرارها وأن يدخل العمل ضمن الريبرتوار وأن تكون هناك تصيمات حركية ورؤى أخرى لمصممين مصريين على هذه الموسيقى التى هى الإبداع الهام والذى ساعد على تنفيذها بشكل جيد أن المؤلف قاد العمل بنفسه، ويحسب له قيادة متميزة لعازفين على درجة عالية من المهارة يستحقون عليها كل التحية والتقدير .