كريمان حرك تكتب: جمهور أوبرا دمنهور والإسكندرية يتفاعل مع الفن والحياة
في أوبرا دمنهور والإسكندرية الجمهور يتفاعل مع "الفن والحياة" .
• «الجمال» الطريق الوحيد للقضاء على التطرف .
• «الإبداع» ضرورة للنهضة الحضارية .
برعايه الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة، وفي خطوة تُحسب للدكتور مجدى صابر، أقامت دار الأوبرا سلسلة ندوات بعنوان «الفن والحياة» وكانت بدايتها في القاهرة وأنتقلت بعد ذلك إلى محافظات مصر وهنا تكمن أهميتها .
الندوات نبعت فكرتها من الفنانة هيبة مراد مديرة المعارض والمتاحف بالأوبرا، وتدور حول قيمة الإبداع في الحياة وأثره على الإنسان ودوره في النهضة الحضارية، ويقام دائما مواكبا للندوة معرضاً للفنون التشكيلية لأحد فنانى المحافظة التى تقام بها الندوة .
والرحلة الأولى خارج القاهرة كانت إلى دار أوبرا دمنهور، والذى حضر جمهورها الندوة رغم الطقس السىء وتلك كانت مفاجأة، حيث كانوا جميعا بوتقه أنصهرت فيها الثقافة وحب المعرفة والقدرة على التعبير والترحيب بكل مد ثقافى وفنى يأتى من الأوبرا الأم فى العاصمة .
وتحت إشراف المهندس مؤنس عطوى مدير أوبرا دمنهور أقيم معرضاً للفنان التشكيلى حسين نوح أبن هذه المدينة العريقة حيث عرض له 20 لوحة زيتية، كما كان أحد نجوم هذه الندوة البارزين .
سيكولوجية الإبداع
من نجوم الندوة الطبيب النفسى الدكتور أحمد عبد الله الإستشارى وعضو عدد من الجمعيات والإتحادت الخاصة بالطب النفسى، وشارك في العديد من المؤتمرات العلمية في مصر والبلاد العربية والأوروبية، كما أنه عضو بجمعية مُحبى الفنون الجميلة وله صالون ثقافى شهرى فى مكتبة القاهرة، ومعظم دراساته وأبحاثه العلمية تنصب على العلاج بالفن وسيكولوجية الإبداع الذى بدأ بها محاضرته الثرية التى أتسمت بالأسلوب العلمى المُبسط، وتناول فيها بالتفصيل والشرح مفهوم الإبداع والدوافع النفسية له وعلاقته بالقلق وشخصية المبدع، وسيكولوجية العملية الإبداعية والعلاج النفسى والإبداع، وقال إذا كنا نرغب في أمة متحضرة علينا تربية أجيال قادمة على ضرورة الإبداع ثم تدرج في الحديث إلى أن وصل لنتيجة أن "لإبداع ضرورة في الحياة" .
وكل هذا العلم الغزير كان يقدم الدليل عليه بأمثلة من المبدعين أمثال برناردشو وبيكاسو، ومن واقعنا نجيب محفوظ، وفؤاد حداد وغيرهم، والمحاضرة تكمن قيمتها في ثراء المعلوات ليست فقط النفسية وإنما التاريخية والأدبية والفنية وكانت المفاجأة أنه أيضا مبدعاً، حيث ألقى في ختام المحاضرة قصيدة شعريه في حب مصر من تأليفه وسط تحية حارة من الجماهير .
لقاء أبن دمنهور
ثم أعتلى المسرح الفنان حسين نوح إبن دمنهور وسط حفاوة من أبناء بلدته، ونوح شخصية متعددة المواهب ليس فنانا تشكيليا فقط، بل أديب وروائى وموسيقار ومنتج لأعمال سينمائية وتليفزيونية ومسرحية منها "ثمن الخوف"، و"بنت من شبرا"، ومن أعماله الأدبية رواية "تعاريج"، ومسرحية "هرتلة".
وهو من رجال التنوير المعروفين وله صالون ثقافى وفنى يشارك فيه الكثير من نجوم المجتمع، وقد كانت البداية تسجيل لأغنية شقيقه الفنان الراحل محمد نوح الشهيرة "مدد مدد شى حيلك يابلد"، أما ختامه فكان أيضا مع غناء شقيقه حيث ألقى كلمات بعض أغانيه التى تغنى فيها بحب مصر .
وبين البداية والختام جاء حديثه عن بداياته مع أخوته على هذا المسرح، وعن نجوم الدراما المصريين الذين وقفوا على خشبة أوبرا دمنهور مثل عبد الرحيم الزرقانى، وفتوح نشاطى، وكمال يس، ومحمد توفيق، الذى أخذ محمد نوح إلى القاهرة ليمثل سيد درويش بعد أن شاهده شابا يعزف على تسع آلات موسيقية .
ثم تحدث عن دور مدينة دمنهور في تكوين شخصيته وأكد من خلال الأمثلة الحية وبأسلوب المثقف المتنور أنه ليس هناك طريقاً للخروج من حقبة الظلام التى وردت إلينا إلا بالفن إبداعاً وتذوقا وممارسة، وأكد في كلمته أنه لا يقود الأمم إلى الأمام إلا الفن، وجاء ذلك عن طريق تطرقه لفلسفة الجمال وكيف أنه نسبى بدليل أن معايير الجمال في إفريقيا تختلف عن أوروبا، وقال أن الجمال عكس كل ما هو قبيح، وأضاف «الجمال» يجعل بيوتنا حلوة وتصرفاتنا حلوة، وأن الفنون إرسال وإستقبال وأستشهد بمقولة الفيلسوف المصرى دكتور زكى نجيب محمود "من يفرق بين الجميل والقبيح يفرق بين الخير والشر"، وأضاف الفنون تجعلنا نتصالح مع الجمال، وإنه الطريق الوحيد للقضاء على الفكر المتطرف هو «الفن» وبعد حديثه الشيق جاءت الفرصة للجمهور لتكون المفاجاة إنهم لا يسألون وإنما يضيفون معلومات ويوضحون مدى الإستفادة التى عادت عليهم من هذه الندوة المثمرة، وقد تحدث الكثير منهم الأديب كامل رحومة، والفنان التشكيلى والممثل أحمد عبد السلام، والمهندس عماد التهامى، والزميل الذى حرص على تسجيل الندوة بالصور وكتب عنها في صحف دمنهور الإقليمية الصحفى راضى سلمان، وجبرتى دمنهور خالد معروف، والكاتب أشرف ربيع رئيس رابطة محبى أوبرا دمنهور .
في أوبرا الإسكندرية
الندوة أعيدت في دار أوبر الإسكندرية وكانت الإضافة إبن الإسكندرية الفنان التشكيلى جرجس بخيت الذى له نشاط بارز في المجال الثقافى بالإسكندرية وأعماله تتنوع بين الرسم على اللوحات بخامات مختلفة وبين التصوير الجدارى، ومن أعماله جدارية المسرح المكشوف بالإسماعيلية، وقد أقيم معرضاً للوحاته في بهو المسرح، وتنوعت خاماتها بين الألوان الزيتية والأكليرك والمائية واللوحات الجدارية، وإذا كان كلاً من "دكتور أحمد عبد الله والفنان حسين نوح" تحدثا عن دمنهور فإنهما عندما وقفا على خشبة أوبرا الإسكندرية تحدثا عن عروس المتوسط من خلال تجاربهما السابقة في المكان، ثم ألتقط خيط الحديث الفنان جرجس بخيت الذى تحدث عن أثر الإسكندرية في تكوينه وسماتها الخاصة التى تضح جليا في أعماله، وكيف كان الإبداع الفنى أحد مقومات الحياة بالنسبة له .
كان مفاجأة أيضا أن أكتشفناه شاعرا غنائيا ختم حديثة بقصيدة غزلية ثم جاء دور الصالة التى جمعت عدد من مثقفى الإسكندرية الذين طالبوا الشاعر السكندرى رأفت رشوان الذى كان بين صفوف الحاضرين أن يلقى أحد قصائده وسط تصفيق حار، ثم كما فعل أبناء دمنهور فعل أيضا مثقفو الإسكندرية الذين أضافوا الكثير من أرائهم الإيجابية لموضوع الندوة، وكانوا خير مثال على قيمة الفن والإبداع، ومن هؤلاء وائل صبحى المحامى، والأديبة منى عامر، والفنانة هدى عبود، والفنان التشكيلى علاء نبيه، ورجل الأعمال المهندس حازم سميكة، والأديب عيد بخيت وغيرهم من أيقونات الأسكندرية .
كلمة أخيرة
هذه الندوات تمثل إضافة وتنوع في التناول وأتضح من خلالها تكامل الفنون وخاصة أنها تبدأ دائما بإلقاء الضوء على دور فنون الأوبرا في تطور المجتمع، وفى أن الحضارة في الإبداع في كل المجالات الفنية، كما إنها تعطى فرصة الفنانيين التشكيليين أن يعرضوا أعمالهم في محافظتهم، كما هناك شق علمى نفسى يًعد جديداً تماماً على الوسط الثقافى .
والمطلوب أن تمتد هذه الندوات لباقى المحافظات وأن يكون هناك تعاون بين قصور الثقافة، ودار الأوبرا لتسهيل العرض والإقامة، وأن تضاف فقرة موسيقية أسوة بالندوة التى أقيمت في القاهرة .
وأخيراً هذه الندوات نجحت أن تكون دليلاً عملياً على إهتمام وزارة الثقافة بجمهور المحافظات .