رؤية نقدية كريمان حرك: المايسترو نادر عباسى ورمزى يسى وإيمان مصطفى يتألقون بسيمفونى الأوبرا
حفل أوركسترا القاهرة السيمفونى الذى أقيم مؤخراً على المسرح الكبير بدار الأوبرا كان من أهم حفلات الموسم، حيث توفرت له عناصر النجاح من نجوم سوليست متميزين وقائد واعى مجتهد، وبرنامج جيد تم إختياره بعناية، وكل هذا ساعد على جذب عشاق الموسيقى وتسجيل نجاح فنى وجماهيرى يستحق إلقاء الضوء عليه.
الحفل قاده المايسترو نادر عباسى والنجوم عازف البيانو رمزى يسى، والسبرانو إيمان مصطفى، ويأتى الحفل ضمن احتفال السيمفونى بمرور 150 عاماً على وفاة المؤلف الفرنسى هيكتور بيرليوز (1803-1869) .
ويُعد هذا الحفل الثانى الذى يُقام بهذه المناسبة وأختار القائد من مؤلفاته "افتتاحية الكرنفال الرومانى" التى كانت خير إفتتاح لما تحتويه من ألحان نشطة غنائية وراقصة، وتناول أوركسترالى فخم جعلها خير تمهيد لبرنامج يحمل قيمة فنية كبيرة.
إقرأ أيضاً
و"هكتور بيؤليوز" ولد في فرنسا وظهرت مواهبه مبكراً، بدأ حياته الدراسية في باريس يدرس الطب ولكن سرعان ما تركها من أجل الموسيقى، وألتحق بكونسرفتوار باريس وأكمل دراسته الموسيقية في إيطاليا، وحصل على جائزة روما في التأليف عام 1830 وبعد نجاحه في باريس قام بجولة فى أوروبا كمؤلف وقائد أوركسترا، ومن أهم أعماله "السيمفونية الخيالية"، و"طفولة المسيح"، و"الطرواديون"، و"أوبرا بياتريس وبنيديكت" .
تضمن البرنامج أيضا كونشرتو البيانو والأوركسترا رقم 2 في مقام دو الصغير مصنف 18 للمؤلف سيرجى رخمانينوف (1803-1943)، والذى كتبه عام 190، وقد نال هذا العمل شهرة كبيرة في حياة المؤلف، ويُعد حالياً من أهم ريبرتوار البيانو وفرق الأوركسترا، ورخمانينوف روسى الجنسية ومن اساطين التأليف في بدايات القرن العشرين، ولم يكن مؤلفاً فقط، بل قائداً وعازفاً ماهراً لآلة البيانو، وكونشرتاته اكتسبت شهرة واسعة وخاصة ومنها هذا العمل الذى نحن بصدده، وكان السوليست فيه العازف المصرى المحبوب «رمزى يسى» الذى قدم لنا مع الفريق عزفاً متميزاً إستطاع أن يظهر من خلاله كل سمات هذا العمل ومميزاته من بداية هادئة من البيانوتتسلل إلى الأذن في نعومة، ثم يتطور إلى الصوت القوى، ثم يدخل الأوركسترا تتقدمه آلات "الكورنو، والوتريات"، ثم يفاجىء العازف المستمعين بلحن عظيم مع تقنية عالية ونستمتع بالحوار مع الأوركسترا والمصاحبة والعزف المنفرد وخاصة في الحركة الثانية، أما الحركة الختامية تفوق فيها رمزى تماماً وكذلك الأوركسترا، وأيضا المايسترو الذى كان مشاركاً العازف المنفرد في تفسير فكر المؤلف .
وقد نجح الجميع فى بيان اللحن الرائع الذى يعزف في الختام والأكثر شهرة لرخمانينوف، والذى تم إستخدامه في العديد من أفلام هوليوود، وكان ملهما لعدد من مؤلفى الموسيقى التصويرية.
القسم الثانى في الحفل كان مع المؤلف الألمانى ريتشارد فاجنر (1813 - 1883) والذى أحدث تطوراً في اللغة الموسيقية، وكان فناناً فريداً حيث يكتب نص الأوبرا ويخرجها وأطلق عليها "الدراما الموسيقية"، وأتسمت أعماله بالكتابة لأوركسترا كبير العدد وبأداء معقد من المغنيين، وربط الألحان بالشخصية والتغيير السريع للمقامات، وبنيت دار أوبرا خاصة به في ألمانيا، ويتم تنفيذ أهم أعماله بها، والنجوم الذين يؤدون أعماله مميزين ومشهورين بتعبير الأصوات الفاجنرية.
والمايسترو نادر عباسى قدم هنا فقرتين نادراً ما يتم تقديمهما، الأولى أغنية من أوبرا "تريستان وأوزولدا"، هذه الدراما الموسيقية التى تتكون من ثلاثة فصول باللغة الألمانية، مستوحاه من عمل ملحمى للشاعر الألمانى "جولفريد فون شترا نسبورج" من القرن الثالث عشر، وعُرضت لأول مرة في ميونخ عام 1865، وتدور حول الحبيبان «تريستان واوزالدا» اللذان يواجهان الكثير من الأهوال ليستمر حبهما، لكن تشاء الأقدار أن يموت تريستان قبل وصول حبيبته اوزالدا التى تغنى في هذه الأثناء الأغنية الشهيرة "النشوة وموت الحب "، التى أدتها نجمة الأوبرا المصرية إيمان مصطفى والتى سبق أن أشدت بها منذ سنوات عديدة، وتمثل جرأة منها أن تقدم عمل لفاجنر وباللغة الألمانية، وهذا يمثل إضافة لريبرتوارها، وقد تفوقت إيمان في بيان المشاعر الحزينة التى عبرت فيها عن حبها لحبيبها الراحل بين ذراعيها .
حيث تشدو بمصاحبة الموسيقى الهادئة ثم يتطور الغناء رويدا لتعبر بقوة عن المشاعر وذلك في ختام تنصهر فيه كل عناصر البناء الدرامى من موسيقى وصوت ومشاعر وكلمات.
العمل الثانى لفاجنر في هذا الحفل كان "إفتتاحية أساتذة الغناء من نورنبرج"، والتى يؤديها الأوركسترا بكامل عدده، وهذه الأوبرا قدمت لأول مرة كاملة بهذه الإفتتاحية عام 1867، وتدور حول مسابقة في الغناء ويتجلى في هذه المقطوعة بهجة وفكاهة نادراً ما نراها في أعمال «فاجنر»، وقد نجح المايسترو «عباسى» أن يجعل الأوركسترا يوضح الألحان الأربعة المنفصلة التى اشتهر بها هذا العمل، والتى تجمعت في هذه المقدمة ثم يتم عزفهم جميعاً في النهاية في آن واحد، لتختتم هذه الحفلة ختاماً قوياً يليق بهذا البرنامج المتميز .