رؤية نقدية/كريمان حرك : في مصر وفرنسا وليد عونى يكرم المرأة بعرض "دموع زها حديد"
وليد عوني يكرم من مصر وفرنسا المرأه بعرض «دموع زها حديد» مهارة في الرقص وإبداع في الإضاءة من ياسر شعلان، ورضا صلاح تفوق في الديكور والمؤثرات البصرية.
بعد طول غياب عاد لنا وليد عونى بفكره التصميم البديع ليقدم لنا رائعته "دموع زها حديد" والتى جاءت مناسبة ليوم المرأة العالمى من ناحية، وإختيار نموذج عربى وصل بعلمه وإبتكاره إلى العالمية من ناحية أخرى.
العرض تم تقديمه على المسرح الكبير في دار الأوبرا ويعرض حالياً بفرنسا فى إطار التبادل الثقافى بين البلدين، و"زها حديد" هى المهندسة المعمارية العراقية التي ولدت عام 1950 في مدينة بغداد وأكملت دراستها في بيروت، ثم طارت إلى لندن وتخرجت من الجمعية المعمارية عام 1977، لتعمل بعد ذلك في مكتب المتروبوليتان للهندسة المعمارية في إمستردام، ثم أسست مكتبها الخاص الذى يحمل أسمها حتى الآن، وقد حازت على العديد من الجوائز، وتوفت إثر أزمة قلبية في 30 مارس عام 2016.
وزها أحد أعلام المدرسة التفكيكية في العمارة ولها بصمتها الخاصة والفريدة في التصميم المعمارى والتى جعلت قواعد الهندسة المعمارية بدون زوايا قائمة، وتعاملت مع هندستها كفراغ كونى وهى تنتمى للفكر الحديث، وتمتاز تصميماتها أحياناً بحركة دائرية وبعدم ثبات الشكل لقد جعلت العمارة تتحرك في إتجاهات لا نهائية.
والعرض يقدم لنا رؤية وليد لزها بداية من إختياره للعنوان، حين قال دموع زها حديد حيث إن الدمعة حين تزرف من العين وتسقط على الأرض تماثل أعمالها ذات الأشكال المبتكرة الغير تقليدية.
وكعادته عبر وليد عن فكرته تجاه هذه العالمة من خلال كل العناصر المسرحية التى يملك أدواتها مع فريق عمل يستحق كل التحية.
البداية قدم لنا فكره عن طريق الحركة الراقصة كعنصر رئيسى في أعماله، ولهذا كانت البداية مع الراقصين والراقصات الذين يدخلون المسرح الموضوع به كتلة مغطاة بقماش سميك، وفي صمت يقدموا لنا حركة دائرية بأيديهم تعبر عن فلسفة زها في التصميم وأعتمد تماماً على حركة الأيدى التعبيرية بتصميم مبتكر، ثم ينزع الراقصون الغطاء لنرى أشكال هندسية من الحديد من تصميم الفنانة البلجيكية صوفى كوفان المتخصصة في تصميم المعادن، وكأن هذا الغطاء يمثل الرؤية المعمارية التقليدية، والأشكال الحديدية تعبر عن الحداثة، ثم يدخل راقص يحمل نموذجاً لشكل هندسى يعبر عن الفكر القديم لهندسة اقليدس التى تعتمد على الخطوط الرئيسية والأفقية، وكأن هناك مزج رائع بين حركة الراقصين في الأمام والخلف وهذا الراقص في المنتصف، وطوال العمل كان كل راقص يؤدى حركة مختلفة عن زميله، ولكن في إطار نسيج واحد.
وهذا يعد من المميزات الكثيرة لهذا العرض، حيث كل حركة راقصة تعبر عن المعنى وتعمقه، ولكن من خلال رؤية واحدة وهى التمرد على القديم ومحاولة الخروج لفكر جديد أكثر رحابة، وكان هذا واضحاً في تحريك النماذج الحديدية على المسرح، وفى مشهد الراقص الملتف على الأرض بقطعة من النايلون، ثم يقف ليؤدى قفزات لأعلى حتى يخرج من عباءة القديم للعالم الرحب معبراً عن كسرها للقيود الهندسية التقليدية، وأيضاً مشهد الانبطاح على القماش في حركة كأن الراقص سباح يسبح ضد التيار ليرمز إلى مقاومتها وكفاحها في إثبات فكرها التصميمى الجديد.
ووليد استوحى العرض من أعمالها وأستعان بمقتطفات من كلماتها التى توضح فيها مفهومها للعمارة وأسلوب عملها ليعبر عن كل ذلك بالحركة الراقصة، التى كانت تعبر عن الكلمة التى سمعها المتفرج أو عن الخطوط التى تعبر بشكل مُبسط عن المبانى المعمارية التى اشتهرت بها، والتى جاءت على الشاشة الخلفية للمسرح بشكل بديع ومبتكر وجديد على الجمهور المصرى.
ومن الصعب أن نلخص العرض في التصميم الحركى فقد تم توظيف الإضاءة والديكور والليزر في الرؤية التعبيرية بشكل متكامل يجعلنا ندرك تماماً كيف يرى وليد عونى «زها حديد» وهذا تجلى واضحاً في جميع المشاهد نختار البارز منها مثل مشهد تحريك القطع الحديدية على المسرح مع إلقاء الضوء عليها بألوان مختلفة مع تكملة الأشكال الهندسية بخطوط باليزر تتداخل مع حركة الراقصين، التى تنتقل بين كل هذا بحركات تدل على التحرر.
ومن المشاهد التى لا تبرح الذاكرة أيضاً الراقص الذى يدق برتابة ونستمع لصوت قطرات الماء التى تنزل وتتجمد على الأرض، ولعبت الإضاءة دوراً بارزاً حيث افترشت أرضية المسرح بقعات الضوء التى تعمق الإحساس بقطرات المياه.
ومن العناصر التى أستخدمها وليد لبيان فكرته القماش حيث تم ربط شرائط منه فى الأشكال الهندسية وتم جذبه بشكل مستمر تعبيراً عن اللانهائية في أعمالها، أيضاً أدخل الراقصون تلتف رؤسهم باللدائن المعدنية ويقومون بتحريكها بأسلوبها بتطويع هذا النوع في تصميماتها الغير تقليدية.
أيضا كان هناك توظيف للأزياء حيث عبر عن فكرها بالراقص الذى يرتدى الحديد الدائرى والذى أيضاً يحمل نموذجاً لأعمالها وراقص، آخر يرتدى تنورة ذات مرايات رمزاً لاستعمالها الزجاج العاكس في تصميماتها، ونجد الإضاءة كان لها دوراً بارزاً في تعميق كل هذه المشاهد مما يحسب لمهندس الإضاءة الموهوب "ياسر شعلان" الذى وصل إلى درجة عالية من الإحتراف أتضح في فهمه العميق للتفاصيل الصغيرة التى تعبر عن فكر تصميمى يخدم الفكرة الرئيسية للعمل، وأيضاً من الاكتشافات في هذا العرض رضا صلاح مصمم الديكور والمؤثرات البصرية.
أيضاً برع الراقصون الذين عبروا عن هذا الفكر برشاقة ومهارة وهم «محمد عبد العزيز، ورشا الوكيل، ومحمد مصطفى، وباهر أحمد، ونور الهنيدى، وشيرلى أحمد، وعمرو باتريك، ويمنى مسعد، وأحمد محمد»، والذى كان ورائهم كل من المدربة «سالى أحمد، وعمرو عاطف»، كما أعتمد العمل على مؤثرات صوتية وموسيقى قدمها ببراعة مهندس الصوت المخضرم «محمود عبد اللطيف».
وأخيراً عرض رائع ومتعة عقلية وبصرية وسمعية به كل السمات العالمية التى تجعله يشارك في المهرجانات الدولية.