كيفية تطوير صناعة الملابس الجاهزة في مصر
أن الإقتصاد المصري يتمتع بوفرة في الموارد المتمثلة في المواد الخام، والعمالة الماهرة (والتي تمتد خبرتها لعقود طويلة) والآلات الحديثة اللازمة للإنتاج، إضافة الى إمكانيات لا بأس بها في مجال التصميم ومسايرة خطوط الموضة العالمية.
فالقطن المصري والذى يعتبر من أهم المواد الخام المطلوبة لإنتاج العديد من الملابس الجاهزة لا يحتاج إلى تعريف، كما أن الخبرات المصرية في مجال صناعة الملابس الجاهزة خاصة القطنية منها ما زالت تحظى بشعبية كبيرة فى غالبية دول العالم.
ومن هنا فإننا نرى أننا لا نحتاج إلا إلى قليل من الإستثمارات التى تساهم فى تحديث وزيادة كفاءة الآلات وتدريب العمالة خاصة فى مجال إعداد التصاميم، وجهاز تسويقى متخصص فى تسويق الملابس الجاهزة لتحقيق مكانة متقدمة في أسواق التصدير العالمية.
لأن مصر كانت تمتلك نسبة قيمتها 5.6% من صادرات الملابس الجاهزة على مستوى العالم، إلا أن هذه النسبة انخفضت الآن لتصل إلى 3% فقط، حتى أن صادرات مصر منها عام 2017 كانت قيمتها 2.9 مليار دولار.
إن هذا القطاع يتعرض لمنافسة شرسة من قبل المنتجات الأجنبية التي أصبحت تمثل 60% من حجم المعروض في السوق المصرية، تدخل البلاد عن طريق التهريب وبالتالي لا تستفيد منه الدولة شيئا، مما انعكس على أحوال الصناعة حتى أن معظم المصانع خفضت إنتاجها حوالى 30% وسرحت عددا كبيرا من العمال.
إن الملابس التي تدخل البلاد بطريقة شرعية لا تمثل سوى 20% من المعروض بينما الانتاج المحلى نصيبه الـ 20 % الباقية، وهو ما يوضح حجم الكارثة التي تعيشها صناعة الملابس الجاهزة الآن.
أن عمليات التهريب التي تتم في المناطق الحرة تعد من أخطر العوامل التي تؤدى إلى إنهيار صناعة الملابس في مصر، حيث إن الصناعة المحلية لم تعد قادرة على منافسة المنتجات القادمة من دول جنوب وشرق آسيا، وهو ما يهدد الاستثمارات العاملة في هذا المجال والتي تصل قيمتها إلى 15 مليار جنيه.
فإن صادرات مصر من الملابس الجاهزة عبر شحنها بطائرات الركاب تقدر بنحو 10% من إجمالي حجم التصدير، وصدرت مصر نحو 14 ألف طن من الملابس الجاهزة خلال الأشهر العشرة الماضية. وبلغت صادرات مصر من الملابس الجاهزة خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي نحو 1,02 مليار دولار بما يعادل 7.8 مليار جنيه، منها 4,3 مليار جنيه بما يعادل 55% من إجمالي الصادرات للسوق الأميركي.
فيما بلغت قيمة الصادرات لدول الاتحاد الأوروبي نحو 2,2 مليار جنيه، وفقاً لإحصاءات هيئة الرقابة على الصادرات والواردات.
لذلك لابد من تقليل الواردات والاعتماد على الإنتاج المحلي والعربي، وتشجيع المنتج الصناعي العربي، والاعتماد عليه بشكل أكبر.
منافسة غير متكافئة يتعرض لها قطاع الملابس الجاهزة في مصر تتمثل في المنتجات المستوردة التي تأتى من كل حدب وصوب لتقهر المنتجات المصرية في عقر دارها، منتجات من الصين وتركيا وسوريا وأمريكا وأوروبا أغرقت السوق المصرية طوال الأعوام الماضية، وأصبحت تهدد قطاعاً مهماً من قطاعات صناعة الغزل والنسيج وهو قطاع الملابس الجاهزة الذى يعد القطاع الأشهر والأوسع انتشارا بين قطاعات الغزل والنسيج الأربعة، فهذا القطاع يضم حوالى 10 آلاف مصنع يعمل بها ما يقرب من مليون ونصف عامل، إلا أن هذه المنافسة غير المتكافئة جعلته يواجه شبح الانهيار فأغلق كثير من المصانع أبوابها وما بقى منها لن يتحمل المعاناة كثيرا.
بالإضافة إلى مشكلات هذا القطاع من جمارك مرتفعة على مستلزمات الإنتاج ونقص الأيدي العاملة المدربة وأزمة الدولار وغيرها جاءت كارثة الملابس المستوردة التي أصبحت تصل إلى 60% من حجم المعروض في السوق لتلقى بظلالها على هذه الصناعة وتزيد من معاناتها ليصبح تدخل الدولة لإنقاذها أمراً حتمياً.
وتتميز هذه الصناعة بتوافر مقوماتها في مصر من المواد الخام والعمالة كما تتسم بتكامل طاقاتها بدءاً من حلج القطن ثم الغزل والنسيج والتبييض والطباعة والتجهيز وحتى الملابس الجاهزة فضلا عن ارتباطها رأسيا وأفقيا بكثير من الصناعات الأخرى .
وتشتمل الصناعات النسيجية على أربعة قطاعات رئيسية هي : "قطاع الغزل وقطاع النسيج والتجهيز، وقطاع التريكو والمشغولات الوبرية، وقطاع الملابس الجاهزة".
وتتوزع الطاقات الإنتاجية لهذه القطاعات ما بين قطاع الأعمال العام والخاص والاستثمارى، ويهيمن القطاع الخاص والاستثماري على الإنتاج فى الصناعات النسجية خاصة فى مجال إنتاج الملابس الجاهزة، وقد تطورت صناعة الغزل والنسيج حتى أصبحت أحد الركائز الأساسية للاقتصاد المصرى وذلك للأسباب التالية :
• يعد قطاع صناعة الغزل والنسيج أكبر قطاع صناعى فى مصر بعد قطاع الصناعات الغذائية.
• يبلغ حجم الإستثمارات فيه "خاص - عام " 50 مليار جنيه .
• يستحوذ قطاع صناعة الغزل والنسيج على 25% من حجم العمالة المصرية .
• تبلغ نسبة مساهمة القطاع فى الناتج الصناعى 26.4% "1" .
• يصل حجم صادرات قطاع الغزل والنسيج إلى 9 مليار جنيه .
يضم قطاع الغزل والنسيج والملابس الجاهزة شركات قطاع عام وقطاع خاص، ويبلغ عدد شركات قطاع الأعمال العام 33 شركة تابعة لأحكام القانون 203 لسنة 1991 و 4 شركات مشتركة خاضعة للقانون 159 وتعمل 9 شركات منها فى مجال تجارة وتصدير وحلج وكبس القطن، و21 شركة تعمل فى مجال صناعة وتجارة الغزل والنسيج، وشركة واحدة تعمل فى مجال صناعة معدات الغزل بالإضافة إلى شركتان متوقفتان عن العمل.
وبالنسبة لشركات القطاع الخاص يبلغ إجمالي عدد المنشآت 11149 منشأة تعمل فى مجال صناعة الغزل والنسيج، 58521 منشأة تعمل فى مجال إنتاج الملابس الجاهزة، هذا بالإضافة إلى عدد كبير من الورش متفاوتة الحجم والغير مسجلة وتتركز النسبة العظمى من مصانع الغزل والنسيج فى القاهرة والقليوبية والإسكندرية والغربية والجيزة .
وعلى الرغم مما تتمتع به الصناعات النسيجية من مزايا إلا إنها بدأت تتعرض لمشكلات عديدة نتيجة لبعض المعوقات التي ترفع من تكلفة الإنتاج وبالتالي تحد من القدرة التنافسية للصناعة بالإضافة إلى التغيرات العالمية التي من شأنها التأثير على حجم التجارة العالمية مما يؤثر على النشاط .
ويعتبر قطاع الغزول من القطاعات المؤثرة في صناعة النسيج والملابس الجاهزة، وتتعدد أنواع الغزول ما بين غزول قطن وغزول بوليستر وغزول مخلوطة، ويتم إنتاج الغزول بواسطة شركات قطاع أعمال عام والتى يعانى بعضها من انخفاض في طاقاتها الإنتاجية، لتعرضها للعديد من المشاكل، بالإضافة إلى عدد من شركات القطاع الخاص والثى تتميز بارتفاع معدل التشغيل بها وتقديمها لغزول ذات جودة مرتفعة .
تعرضت صناعة غزول القطن للعديد من المشاكل والتي تكون متعلقة بمحصول القطن ذاته أو مشاكل خاصة بالغزل ، ونستعرض أهمها فيما يلى :
• أدت سياسات تحرير تجارة القطن منذ عام 1994 إلى إرتفاع أسعار المدخل الرئيسي للإنتاج وتسببت هذه السياسات في الانخفاضات المتتالية لمحصول القطن على مدى أكثر من 15 عاماً إلى أن وصل إلى حوالى 130 ألف فدان فقط، و أنه يوجد خطة للتوسع في إنتاج القطن خلال الخمس سنوات المقبلة، بحيث يصل حجم الإنتاج إلى 220 ألف طن، وذلك بزراعة 515 ألف فدان.
• عدم التوافق بين الزراعة والصناعة حيث نشأت حالة من عدم التوافق بين الجودة العالية للإنتاج المحلى للقطن الشعر واحتياجات الصناعة الوطنية التي اتجهت بدورها إلى المنتجات المنخفضة الجودة رخيصة السعر، ويوفر القطن المصري حالياً 15% فقط من الإحتياجات الكلية للصناعة الوطنية، حيث تلجأ المغازل المصرية إلى إستيراد القطن الشعر الأمريكي .
• إرتفاع أسعار القطن المصري بما يفوق قدرة المغازل المحلية لذلك تم استبداله بالأقطان المستوردة الرخيصة لاستيفاء الطلب المحلى حيث استهلكت المغازل المحلية فى موسم 2008/2009 حوالى 38 ألف طن ويعد هذا أقل استهلاك للاقطان منذ موسم 1940 /1941، وقد عزز من ضعف استهلاك المغازل المحلية للاقطان المصرية قلة الطلب على الغزول الرفيعة والأقمشة والملابس الراقية بسبب الأزمة المالية العالمية وأدى ذلك إلى توقف العديد من شركات حلج الأقطان .
• إتجاه معظم مصانع التريكو والأقمشة والتي تقوم بتصدير إنتاجها للخارج إلى إستيراد غزول أجنبية وذلك نظرا لتغير أنماط الاستهلاك العالمي للاقطان طويلة التيلة التي تنتجها مصر وأمريكا وبعض الدول والاتجاه إلى استخدام الأقطان متوسطة وقصيرة التيلة "1"، وتشير الأرقام إلى إستيراد نحو مليوني قنطار بأسعار تقل عن أسعار الأقطان المصرية، وذلك لدعمها من دولها وتقل صفاتها الغزلية عن الصفات الغزلية للاقطان المصرية .
• تستخدم المغازل المحلية الأقطان المستوردة وتحصل على دعم من الحكومة قدره 225 مليون جنيه على الغزول والأقمشة المصنعة من هذه الأقطان، ويعنى هذا تزايد عدم إقبال المغازل المحلية على استخدام القطن المصري .
• ضعف قدرة الصناعة المصرية على المنافسة نظرا لقيام الدول المنافسة بدعم منتجي ومصنعي القطن، فالهند تدعم المصانع بنحو 20% بمجرد دخول القطن مرحلة التصنيع وتعامل مصانع الغزول بفوائد لا تزيد عن 4%، كما تمنح 20% دعم لاستثمارات البنية الأساسية لمصانع الغزل"1"، بينما في مصر يتم صرف دعم 275 قرشاً لكل كيلو غزل ويعتبر هذا غير مجزياً خاصة مع الزيادة في الأسعار العالمية .
• إرتفاع أسعار الغزول بنسبة 100% نتيجة إرتفاع تكاليف الإنتاج في مصر، كارتفاع الفائدة البنكية والتي تعتبر من أعلى النسب في العالم إذ تبلغ نحو 12% سنوياً مقابل 4-6% لدول أمريكا واليابان و3-5% لدول جنوب شرق آسيا، كذلك إرتفاع أسعار الطاقة وتكلفة المرافق وضريبة المبيعات على السلع الرأسمالية والتي تحد من قدرة المصانع على تحديث خطوط الإنتاج.
ووفقا لتقرير صادر عن غرفة الصناعات النسيجية باتحاد الصناعات خلال الربع الأول من عام 2010، فقد ارتفعت تكلفة كيلو الغزل من 2.3 دولار إلى 4.4 دولار.
أن مصانع الغزل مُهددة بخسائر كبيرة خاصة وإنها مرتبطة بعقود تصدير طويلة الأجل، فضلاً عن عقود داخلية مع الوزارات والهيئات الحكومية، ويجب إعادة النظر في تلك التعاقدات وفقاً لمتغيرات الأسعار وطالب بضرورة زراعة الأقطان القصيرة والمتوسطة التيلة لحل أزمة الغزول وتجنب تقلبات الأسعار العالمية .
• تدهور بعض مصانع الغزول وخاصة في قطاع الأعمال العام نتيجة التقادم الفني للآلات، وضعف مستوى العمالة وعدم قدرتها على التعامل مع التكنولوجيات المتقدمة واتجاه العمالة المدربة إلى العمل بالمصانع الإستثمارية .
يعتبر التهريب من أهم المشاكل التي تهدد صناعة الغزل وتتم من خلال تجارة الترانزيت ونظام السماح المؤقت وعمليات التزوير عن طريق التلاعب بالمستندات والأوراق الخاصة بالاستيراد والتصدير في الكميات الواردة بالنقص، والفارق يتم ضخه في السوق المحلية معفى من الجمارك وضريبة المبيعات كما يتم التلاعب في مستندات الكميات المصدرة بالزيادة لتسوية الكميات الواردة والحصول على دعم أعلى.