د.وليد جاب الله يكتب: رسوم العمرة ما بين تنظيم الأولويات وضغط الشركات لإلغاء القرار
العمرة هي أحد أهم الشعائر التي تزايدت أعداد القائمين بها حتى وصل عدد المُعتمرين من خارج السعودية نحو 7 مليون مُعتمر، وكان نصيب مصر منهم نحو 1,3 مليون مُعتمر في عام 2015، ومع تُخطط إلية السعودية بالوصول لعدد المُعتمرين لنحو 15 مليون مُعتمر في عام 2030، يكون من المؤكد أنها تُخطط لمضاعفة عدد المُعتمرين المصريين، إلا أن هذه التطلعات واجهت تحديات تحرير سعر صرف الجنية المصري، والذي أدى لزيادة كبيرة في أسعار رحلة العمرة، لتزيد السعودية الطين بله بتقرير رسوم للحج أو العمرة قدرها 2000 ريال، يُعفى منها الزائر مرة واحدة فقط.
مما أدى لزيادة أكبر في الأسعار، مما كان أثره انخفاض أعداد المُعتمرين المصريين لنحو 600 ألف مُعتمر خلال العام الماضي، إلا أنه من المتوقع تزايد الأعداد مستقبلاُ في ظل شغف المصريين بأداء العمرة وامتصاص صدمة زيادة التكلفة، ذلك الأمر الذي فرض على الحكومة التدخل لإعادة تنظيم الأمر.
ومن الناحية الإقتصادية، قام المعتمرين المصريين بإنفاق نحو 1,2 مليار جنية عام 2015، ورغم انخفاض الأعداد بعد ذلك، تتزايد توقعات عودة أعداد المُعتمرين للتزايد مستقبلاً، وحال أن يصل أعداد المُعتمرين لنحو مليون مُعتمر سنجد مصر مُلزمة بسداد ما يزيد عن 5 مليار جنية للسعودية سنويا لتغطية رسم تكرار الزيارة فقط، خلاف إنفاق المُعتمرين المصريين خلال الزيارة والذي يُعد الأكبر على الإطلاق بين كل الجنسيات، مما يُشكل أعباء كبيرة على الاقتصاد المصري دفعت وزارة السياحة إلى وضع ضوابط لتنظيم العمرة، أهمها تحديد عدد المُعتمرين خلال هذا العام بنحو 500 ألف مُعتمر، مع تقرير رسم قدرة 2000 ريال سعودي لمن يريد تكرار العمرة خلال أقل من 3 سنوات، و3000 ريال لمن يريد الزيارة سنوياُ أو أكثر من مرة في السنة.
وفي قراءة لهذا القرار نجد أن له هدف مرحلي يتمثل في إتاحة العمرة بصورة لا يكون لها تأثير ضار على الإقتصاد القومي في هذه المرحلة حيث أن تحديد الأعداد وتقرير الرسوم يدفع إلى أن تكون الأولوية للمواطنين الذين لم يسبق لهم القيام بالعمرة بما يحقق أكبر قدر من تلبية رغبات الشريحة الأولى بالرعاية، والتي لن تقوم بسداد رسوم تكرار العمرة لمصر أو السعودية، ولم تتخذ الحكومة في ذلك أسلوب المنع المُطلق وإنما اتخذت من الرسوم وسيلة للحد من التكرار، والتقليل من نفقات العُمرة التي تخرج من البلاد، وامتلاك ورقة تفاوض في سعيها للتفاهم بشأن رسوم تكرار العمرة مع السعودية التي يهمها استقدام المُعتمر الأكثر ثراء وإنفاق خلال الرحلة.
وفي مجال ردود الفعل حول هذا القرار نجد ترديد البعض لوجهة نظر شركات تنظيم العمرة بشأن المُطالبة بإلغاء الرسوم والغريب أنهم يتحدثون عن الرسوم، ولا يتحدثون عن الأعداد، فليس من حق شركات السياحة الحديث عن الرسوم طالما توفرت لها الأعداد المُقرر حكومياً من المُعتمرين غير المُكررين، إلا أن تلك الشركات يُهمها استهداف المُعتمر الأكثر ثراء الذي تربح من وراؤه الكثير من خلال برامجها الفاخرة، مما جعلها تضغط على الحكومة لإلغاء رسم تكرار العمرة بكل الوسائل الشعبية، والسياسية، والقانونية، والإعلامية، وغيرها مُستهدفة مصلحة شخصية ضيقة لا تُتيح للحكومة مرونة التعامل الخارجي في هذا الملف، رغم ما شهدته مصر مؤخراً من مناورات الحكومة الروسية في مجال عودة مواطنيها لزيارة مصر والسعي للحصول على مزايا ومكاسب كبيرة قبل عودتهم دون أن تواجه بمثل هذه الضغوط داخلياً رغم أن السائح الروسي يتكلف حالياً أضعاف تكلفة زيارته لمصر سواء في سياحته الداخلية في روسيا، أو زيارة تركيا أو أية دولة أخرى.
وهكذا يكون قرار رسم تكرار العمرة هو أحد القرارات المرحلية التي تُحقق مزايا أكثر بكثير مما تخلقه من أضرار، لننتقل إلى تساؤل، وهو أين ستُنفق المُخصصات التي رصدتها شريحة المُتراجعين عن العمرة بسبب الرسوم، لأن الكارثة أن توجه هذه الأموال لأغراض استهلاكية لشراء سلع وبضائع مستوردة ترفع معدلات الطلب على الدولار، وهنا يأتي دور رجال الأزهر في مُحاولة الترويج لأعمال الخير الأخرى التي تُفيد المجتمع، كما أن هناك دور كبير لوزارتي التخطيط، والإستثمار بعمل خريطة بعدد أشخاص هذه الشريحة وقيمة المبلغ الذي رصدة كل شخص للعمرة ثم تراجع عنها، وذلك لخلق أوعية استثمارية جديدة تمتص هذه الأموال لصالح الإقتصاد، لحين وضع إستراتيجية قومية ثابتة تكفل أكبر قدر من إشباع حاجة المواطنين للعمرة دون الإضرار بالاقتصاد القومي.